دور نوى المهاد العُليا في تفعيل الإدراك الواعي لدى الإنسان: دراسة باستخدام تسجيلات دماغية داخلية
الملخص:
في دراسة حديثة استخدمت تسجيلات كهربية داخل الدماغ (sEEG) لدى مرضى خضعوا لزرع أقطاب كهربائية لأسباب طبية، وُجد أن نوى المهاد العُليا، خصوصًا النوى داخل الصفيحة والوسطية، تُظهر نشاطًا عصبيًا مبكرًا ومتزامنًا مع القشرة الجبهية الأمامية أثناء مهمة إدراكية بصرية. ورغم أن الإدراك الواعي يُعرف تقليديًا بأنه نتاج النشاط القشري، تشير النتائج إلى أن بعض المناطق تحت القشرية – وبشكل خاص المهاد – قد تلعب دورًا مهمًا في “إطلاق” أو “تهيئة” هذا الإدراك، دون أن يعني ذلك أنها مصدره النهائي.
مقدمة:
يُعد فهم الأسس العصبية للوعي من أبرز التحديات في علم الأعصاب المعاصر. الوعي يُقسم غالبًا إلى حالتين: الحالة الواعية (كالاستيقاظ والنوم) والمحتوى الواعي (التجربة أو التصور الذهني لحظة بلحظة). وبينما تركز معظم الدراسات على القشرة الدماغية كمصدر رئيسي للإدراك، فإن الدراسة الحالية تستكشف دور المهاد – الذي غالبًا ما يُنظر إليه كناقل أو منظم للمعلومات الحسية – كعنصر فعال في بدء الإدراك الواعي.
المنهجية:
خضع خمسة مرضى يعانون من صداع مزمن مقاوم للعلاج لتسجيلات sEEG من نوى مهادية متعددة، إضافة إلى القشرة الجبهية الأمامية، أثناء مهمة بصرية مصممة للتمييز بين الحالات الواعية وغير الواعية. تم تحليل النشاط العصبي وتوقيته في كل من النوى البطنية، داخل الصفيحة، والوسطية، ومناطق مختلفة من القشرة الجبهية.
النتائج:
أظهرت النوى داخل الصفيحة والوسطية نشاطًا مبكرًا وأقوى عند لحظة الإدراك، مقارنة بالنوى البطنية والقشرة الجبهية. كما لوحظ تزامن زمني دقيق بين هذه النوى والقشرة، مع اقتران موجي في نطاق التردد (θ). هذا التزامن يُفهم على أنه إشارة تنشيط وليس بديلاً عن المعالجة القشرية. كما أظهرت تحليلات فك التشفير أن هذه النوى قادرة على التمييز بين المحتوى الواعي وغير الواعي بدقة أعلى من غيرها.
النقاش:
تشير النتائج إلى أن بعض نوى المهاد، وخصوصًا داخل الصفيحة والوسطية، قد تلعب دورًا تمهيديًا أو تنشيطيًا في ظهور الإدراك الواعي عبر تفاعلها المباشر مع القشرة الجبهية. لكن من المهم التأكيد على أن الإدراك الواعي هو ناتج شبكة دماغية معقدة، وأن القشرة الدماغية، وخاصة الجبهية، تظل المحور الأساسي للمعالجة الواعية. ما تقدمه الدراسة هو دليل إضافي على أن الهياكل تحت القشرية ليست سلبية أو داعمة فقط، بل قد تساهم فعليًا في تفعيل حالة الوعي.
الاستنتاج:
تدعم البيانات فرضية أن المهاد، عبر بعض نواه العُليا، قد يعمل كـ”بوابة” أو “مُشغِّل” للإدراك الواعي، من خلال تحفيز القشرة الجبهية. لا تلغي هذه النتيجة دور القشرة، بل تدعو إلى إعادة النظر في التفاعل الديناميكي بين الهياكل التحت قشرية والقشرية في إنتاج الوعي.
التعليقات