"الجهل آفة مجتمعنا" دائما ما كنت أسمعها، كثيرا ما استشعرتها ولكن زاد ذلك الاستشعار بعد عملي كطبيبة بل أشعر أن من أطلقها طبيب أيضا أو أنها تم إطلاقها خصيصا مقصودا بها الطب تحديدا وإبعاد الجهل عنه، الجهلاء يفرضون جهلهم في كل أوجه الحياة.. 

"هل هناك ما يسمى بالحقن المذيبة للجلطة وبعدها يشفى المريض تماما في نفس اللحظة؟"

"البيض يعيد التئام العضلات المصابة كما يفعل أجدادنا؟"

"أرجل الدواجن تناولها للأكل أو كعصير يذيب نهائيا خشونة المفاصل!"

"زيت الزيتون وحبة البركة دهانهم يشفي المريض!"

"العسل الأبيض والليمون يعالجان السرطان نهائيا بدون أدوية"

هذه ليست أسئلة تطرح ولكنها كثيرا ما نسمعها وأكثر من ذلك، السؤال والاعتقاد حق مفروض للجميع ولكن... يصبح الأمر مضحكا أمام المرضى وبين أقرباءهم عندما يتحدثون هكذا لاغين تماما دورنا!! 

كثيرا ما أتحدث مع المريض عن دور العلاج الطبيعي مثلا أو ضرورة اتباع تعليمات الطبيب البشري المعالج أو ضرر عدم الالتزام بهذا الدواء ثم أجد المريض أو أحد أقربائه يتحدث عن دور الوصفات الشعبية أو الاختراعات العجيبة وكم يقسم أن عجوزا أنقذت من الموت بفضل هذه الوصفة، أو أنه سيصبح أفضل لو فعل كذا...إلخ.

مؤخرا أصبح اليأس يتملكني من هذا الأمر، كيف أقنع مريضا تتوفر لديه كل وسائل التكنولوجيا في عصرنا وسؤال الأطباء حول العالم دائما من خلال الانترنت والبحث والتأكد وسؤال طبيب واثنين وعشرة ثم في النهاية يرجع الأمر لغير العلم والطب! 

بل إن أصبح مضحكا ولابد كل فترة قريبة أن يقابلني مريضا يلغي تعليماتي وتعليمات الأطباء الآخرين مقتنعا بأننا لا نعي شيئا وأن القدماء لم يعرفوا للطب معنى وكانوا أكثر صحة، المشكلة هنا أنه في حال تفاقم حالته الصحية يرجع الأمر لنا مما يثير الاستياء..

أتذكر أثناء فترة امتيازي في أحد العنايات المركزة بأن طفلا صغيرا أنقذه الطب من الموت بأعجوبة نتيجة الجهل لارتفاع درجة حرارته وإصرار الجدة والجارة على وصفة غريبة، وأيضا أن رجلا تعرض للحرق نتيجة شعوره بآلام الركبة واستخدامه لمجموعة زيوت غريبة تفاعلت معا وأصابت جلده بدرجة تصل للحرق..إلخ

كيف تتعاملون مع مثل هؤلاء الأشخاص عند محاولة إقناعكم بالعلاج الشعبي دون الأطباء؟ هل سبق وأن تعرضتم أو رأيتم أحد تعرض للخطر الشديد نتيجة هذا التفكير؟