كنت من الأشخاص التي لا تعير اهتمامًا كبيرًا بالجروح؛ فأغلبها كانت جروح بسيطة، قطعة منديل صغيرة يمكن أن توقف نزيفها. لكن في يومٍ كنا نقوم بتجديد شقتنا لاستقبال عامًا جديدًا، وكان المنزل مليء بالعُمّال. الأمور كانت على ما يرام حتى أصيب عامل منهم في قدمه، لقد دخل في قدمه مسمار من الحديد. لكن هو الآخر لم يعير اهتمامًا لهذا الجرح، بكل بساطة قام بربط قطعة من القماش، فتقريبًا هو متعود على الإصابات. حوالي بعد هذا الموقف ب 10 أيام، لم يأتي هذا العامل، وقالوا إنه في حالة إعياء شديدة، ودخل إلى المستشفى. بالطبع عزيزي القارئ، أصابع الاتهام كلها ستشير إلى هذا المسمار لكن كيف ولماذا؟ 

عدة سنوات مرت على الأمر حتى دخلت كلية الطب، ومر عليّ سيناريو مطابق لما حدث للعامل في الماضي. لقد أصيب هذا العامل ب "التيتانوس" أو مرض "الكزاز"، هي عدوى تسببها نوع من البكتريا تُسمى "Clostridium tetani" -شقيقة Clostridium botulinum- التي شرحناها في مساهمة التسمم الوشيقي. 

توجد هذه البكتيريا على صورة "أبواغ-Spores"، الأبواغ هي حالة تكون عليها البكتيريا كأنها في سُبات لتقاوم عوامل البيئة كالحرارة، ونقص الغذاء، وما إلى ذلك. يمكن انتشار هذه الأبواغ للأسف حولنا في كل مكان في بيئتنا، في التربة والغبار وبالطبع بطل قصتنا، الأجسام الملوثة كالمسمار الصدئ، لا نقلق هي ليست مضرة إلى الآن.

 تبدأ خطورتها عند دخول هذه الأبواغ إلى الجسم، فتتحول إلى البكتيريا النشطة، وتلك البكتيريا النشطة تفرز سم الكزاز "tetanospasm toxin"، هو أحد أقوى السموم في العالم الذي يعمل على الجهاز العصبي المركزي ويعمل عن طريق منع إطلاق النواقل العصبية المثبطة التي تعمل على العضلات بشكل لا رجعة فيه، مما يجعل العضلات منقبضة باستمرار "تشنجات". هذه التشنجات قد تكون قوية لدرجة تجبر الإنسان على أخذ وضعية "القوس"، التي في حالات كثيرة تؤدي إلى كسر في العمود الفقري. 

من العلامات الأولى التي تظهر للمتسمم هي تشنج عضلات الوجه، التي قد تجعله "مبتسم" لذا جاء اسم الموت المبتسم، فالمريض يعني من ألم لا يتحمله أحد، ألم قد يموت بسببه، لكنه مبتسم رغم عنه. كل ذلك بسبب جرح مسمار صغير! 

كيف نقي أنفسنا من هذه العواقب؟

يوجد حلّان، الأول هو التطعيم منذ الصغر ضد الكزاز، وهذا ما أظن أنه أمثل للأجيال القادمة، لذا يلزم زيادة الوعي حول هذه الحالة. الثاني هو الرعاية الجيدة للجروح، من حيث تنظيف الجرح مباشرًة بالماء والصابون، أو الكحول، ثم استشارة طبيب إذا كان الأمر يستدعي ذلك. يلزم التعقيم دون تغطية الجرح بالكامل، لأن هذه البكتيريا لا هوائية مثل شقيقتها.

متى نقلق عند حدوث جرح وقد تعاملنا معه؟

عند ظهور هذه الأعراض: تشنج الفك، شد عضلي مفاجئ لا إرادي (تشنجات عضلية) - غالبًا في المعدة، تصلب عضلي مؤلم في جميع أنحاء الجسم، صعوبة في البلع، صداع الرأس، حمى وتعرق، تغيرات في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.

دائمًا وأبدًا، الوقاية خيرٌ من العلاج.

كيف تتعاملون مع إصابتكم بالجروح؟ وهل عاصرتم أي مضاعفات للجروح من قبل؟