"ميزانيتي محدودة"... جملة يبدأ بها كثير من العملاء حديثهم معنا كمستقلين، وقد تبدو في ظاهرها بريئة أو حتى صادقة، لكنها في كثير من الأحيان تستخدم كوسيلة للضغط على المستقل لتقديم أكبر قدر من العمل بأقل تكلفة ممكنة، وشخصياً أسمع هذه العبارة كثيرًا، وأدرك تمامًا أنها قد تعني أن العميل لا يقدر فعليًا قيمة الجهد والوقت المبذول، أو أنه يتعامل مع العمل الحر كخدمة مرنة يمكن التلاعب بأسعارها، ورغم ذلك ليس من العدل أن نعمم، فبعض العملاء فعلاً يملكون ميزانية محدودة، لكنهم يقدرون ما يُقدم لهم ويحترمون وقت وخبرة المستقل، والتحدي الحقيقي هنا هو أن نوازن بين حاجتنا للفرص، وتمسكنا بقيمة أعمالنا، حتى لا يتحول الشغف إلى استنزاف، فكيف تتعاملون أنتم مع عبارة "ميزانيتي محدودة"؟
"ميزانيتي محدودة" كيف تتعامل كمستقل مع هذه الجملة؟
أرحب بها ترحيبًا شديدًا، وأٌكسب العميل في صفي. فأنتِ لا تعلمين، هذا المشروع الذي ستعملين عليه قد يأتي لكِ بمشروع آخر ميزانيته غير محدودة، أو قد يكسبك خبرة لا تحصلينها من مشاريع أخرى. لا أرفض مشروعًا بسبب هذه العبارة.
سبق أن نفذت على مستقل مشروعًا بتكلفة أقل بكثير من 25 دولار (الحد الأدنى)، ويكفيني منه تقييم العميل. التقييم لا يضاهيه سعر.
هذا المشروع الذي ستعملين عليه قد يأتي لكِ بمشروع آخر ميزانيته غير محدودة
لكن ألاحظ أن كثيرًا من أصحاب هذه الميزانيات حين يرشحوننا لغيرهم، فإن ترشيحهم يكون مبنيًا على أننا "نقدم بسعر منخفض"، وهذه الصورة قد تلتصق بنا لاحقًا وتصبح الفكرة السائدة عنا، وهو ما لا أعتقد أنه يخدمنا على المدى البعيد، خصوصًا إن كنا نسعى لتقدير جودة العمل والخبرة وليس فقط السعر.
لا.. دعك من الترشيح، فأنا لم أستفد منه ولو مرة واحدة للأسف.
لا يعني هذا شيئًا. كم مرة بالألف حين يرشحك عميل لعميل آخر؟
لكن حتى لو، فإن الحل بسيط، عليكِ أن توصلي للعميل الفكرة وتؤكدي على أن هذه ليست أسعارك ولكنكِ قمتِ بذلك استثناءً لأجله فقط، لأنه يتعامل معك لأول مرة، أو لحماسك ناحية المشروع ورغبتك في أن تكوني جزءًا منه.
هذا ما أقوم به بالفعل، وغالبًا أوضح للعميل أن السعر استثنائي لأنه أول تعامل بيننا أو لأن المشروع شدّني فعلًا، لكن في الواقع نادرًا ما يستوعب العميل هذه النقطة، وما يحدث هو أن هذا السعر يصبح هو المرجع في ذهنه، ويصعب عليه تقبل أي تعديل في المرات القادمة، حتى وإن اختلفت ظروف المشروع تمامًا، وهذا يشعرني بالضغط لأنه مع الوقت يصبح من الصعب الحفاظ على نفس الجودة بنفس السعر، مما يؤثر سلبًا على استمرارية العمل باحترافية وعدل.
برأيك ماذا لو تمسك العميل بهذا السعر المخفض وأراده دائمًا هل يمكننا حينها التعامل مع الموقف دون خسارة العلاقة أو التقليل من قيمة العمل؟
برأيك ماذا لو تمسك العميل بهذا السعر المخفض وأراده دائمًا هل يمكننا حينها التعامل مع الموقف دون خسارة العلاقة أو التقليل من قيمة العمل؟
لا بصراحة، في حالة الإصرار فالأفضل أن نوفر وقتنا حينها لمشروعٍ آخر، وبنسبة كبيرة فالعميل سيتمسك لو أراحه التعامل مع المستقل أو لاقى الجودة التي ينتظرها من المشروع الأول. وإن لم يتمسك بالمستقل، وتمسك بالتكلفة المنخفضة، فما المشكلة؟ هل هو آخر المشاريع على الأرض؟
سبق أن نفذت على مستقل مشروعًا بتكلفة أقل بكثير من 25 دولار (الحد الأدنى)، ويكفيني منه تقييم العميل.
هذا لو لم يكن العميل متلاعبا، فهناك بعض العملاء متلاعبين ويقومون بفعل هذا مع كل المستقلين الذين يتعاملون معهم تقريبا ومنهم من يحاول إجبارك بمعاملته لإلغاء المشروع والحصول على العمل بالمجان. هؤلاء بالذات كانوا السبب لأن أعتزل العمل الحر تماما إلا في حالات قليلة مع عملاء معينين.
قد يأتي لكِ بمشروع آخر ميزانيته غير محدودة، أو قد يكسبك خبرة لا تحصلينها من مشاريع أخرى. لا أرفض مشروعًا بسبب هذه العبارة.
وما أدراك إن كان هذا صحيح؟ ماذا إن كانت مهام هذا المشروع أكبر بكبير مما تتوقعينه؟ والأهم من كل ذلك ماذا إن كان هذا العميل متلاعب؟ كيف ستتأكدين من ذلك؟ اعتقد بأن قبول مثل هذه المشاريع قد تكون مخاطرة تضر المشتقل أكثر مما تنفعه!
الأمر يعتمد في المقام الأول على طبيعة المشروع والوقت الذي قد يستغرقه مني. في معظم الأحيان أكون مرنًا ومنفتحًا على أي فرصة جديدة، لا سيّما إن شعرت أن في المشروع جانبًا من الفائدة أو التعلم قد يضيف لي شيئًا، حتى وإن كانت الميزانية محدودة.
لكن في المقابل، إن كان الجهد المطلوب كبيرًا مقارنة بالمقابل المادي المعروض، فأُفضّل الاعتذار بلطف ووضوح، لأن للوقت والجهد قيمة لا ينبغي التفريط فيها، ومن المهم ألا أُقحم نفسي في تجربة مرهقة تجعلني أنفر من العمل ذاته.
المعادلة دقيقة فعلًا بين الحاجة والتقدير، ومع مرور الوقت يستطيع المرء أن يميز بين العميل الذي يقدّر العمل فعلًا رغم محدودية ميزانيته، وبين من يسعى للحصول على أكبر قدر من الجهد بأقل تكلفة ممكنة.
شخصيا، أتعامل معها كمفتاح للحوار وليس كنهاية للتفاوض. عندما أسمع هذه العبارة، أبادر فورا بتوضيح ما يمكنني تقديمه ضمن هذه الميزانية بوضوح واحترام، مع إبراز قيمة خبرتي وجودة العمل الذي سيحصل عليه العميل. أحيانا أقترح تقسيم العمل إلى مراحل، بحيث نبدأ بالأولويات ضمن الميزانية المتاحة، ثم نتوسع تدريجيًا حسب ظروف العميل.
هذه العبارة لا تعني دائما عدم تقدير للجهد، فأحيانًا تكون صادقة وواقعية، لكن دورنا كمستقلين هو أن نميز بين العميل الجاد والمحترم الذي فعلاً لديه قيود مالية، وبين من يحاول فقط الضغط للحصول على خدمات كثيرة بأقل تكلفة.
والتحدي الحقيقي كما ذكرت هو التوازن بين احترام القيمة الفعلية لجهودنا، وبين مرونة التعامل مع الفرص الجديدة، دون أن نُفرّط بحقوقنا.
في مثل هذه الحالات، أتعامل مع العبارة كفرصة لفتح حوار صريح حول توقعات الطرفين. أطلب من العميل تحديد الميزانية المقترحة بدقة، ثم أُقيّم إن كان بالإمكان تقديم حل مناسب ضمن هذا الإطار دون الإضرار بجودة العمل أو التقليل من قيمته. أحياناً أُقدم خيارات متعددة: باقة اقتصادية تغطي الأساسيات فقط، وباقات أوسع لمن يرغب بنتائج أكثر تطوراً. لكنني لا أسمح لتلك العبارة بأن تُستخدم كأداة ضغط. فالاحتراف يتطلب منا أن نحترم جهدنا كما نحترم حاجة العميل. إن قَبِلت بمشروع ما، يجب أن يكون ذلك عن قناعة، لا عن تنازل مجحف يبدد الطاقة والشغف، ويفتح الباب لثقافة الاستغلال باسم الظروف.
كنت في البداية أعمل دون النظر للمقابل، ولكن منذ سنة تقريباً اكتشفت أنني اجهز خطط مقابل ٢٥ دولار بينما يأخذها العميل ويبيعها مقابل ١٥٠٠ ريال سعودي، وقتها شعرت أنني مغفل كبير، خصوصاً أن العمل لم يكن سهل وبه مهام متعددة حقها أن يعمل بها أكثر من مختص، من هذه اللحظة قررت أن لا أعمل إلا بما يأتي لي بحقي وحق ما ابذله من جهد وما امتلكه من خبرة.
وأظن أن هذا حقي وليس بجشع أو جمود، فأنا عندي التزامات لو قلت لأصحابها ليس معي مال فلن يرضى أحد بذلك
التعليقات