كمستقلين نندمج أحيانًا في العمل لدرجة إدمانه ونسيان حياتنا الشخصية، ونحتاج دائمًا إلى وضع حدود واضحة بين عملنا وراحتنا، برأيكم كيف يمكننا تجنب إدمان العمل والحفاظ على صحتنا النفسية والجسدية؟
"إدمان العمل" كيف نتجنبه؟
ممكن أن يكون اندماجنا في العمل جزءًا من تحقيق ذاتنا وشغفنا، بعض الأشخاص يجدون راحتهم النفسية والجسدية في الاستغراق التام في مشاريعهم، مما يُشعرهم بالإنجاز المستمر.
في كثير من الأحيان عندما أكون منهمكًا في مشروع ضخم كمستقل، وأعمل لساعات طويلة بلا انقطاع، ورغم الضغط المستمر، أشعر بنوع من السعادة، لأنني كنت أحقق أهدافي بسرعة. وكنت غير مشتت بحياتي الشخصية، فأصبحت أكثر إنتاجية وفعالية.
لذلك أسأل نفسي كثيرًا، هل يمكن أن يكون "إدمان" العمل، إيجابيًا إذا ما كان نابعًا من شغف حقيقي؟
لكن الاندماج الزائد إن استمر سيأتي بنتائج عكسية، وبدلا من الاستمتاع سيأتي وقت وسترغب بالتوقف والاستمتاع بحياتك، أو سيأتي وقت وتشعر بالاحتراق الوظيفي وأنك لا تتمكن من العطاء بنفس المستوى التي كنت تؤدي به، لذا من أهم النقاط التي يجب أن نتبعها هي التوازن بين العمل والحياة الشخصية، حتى نتمكن من الاستمرار بنفس قوة الأداء
أوافق على أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية. إن الإفراط في الانغماس في العمل، حتى وإن كان نابعًا من شغف حقيقي، يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق والاحتراق الوظيفي في النهاية. التوازن هو المفتاح للحفاظ على صحة عقلية وجسدية جيدة، وللحفاظ على استمرارية الأداء بفعالية. لكن، هل تعتقد أن هناك فرقًا بين الشغف الحقيقي والإدمان غير الصحي للعمل؟
هل يمكن أن يكون "إدمان" العمل، إيجابيًا إذا ما كان نابعًا من شغف حقيقي؟
من تجربة سابقة في عمل كان لدي فيه شغف حقيقي أقول لك بشكل وضوح لا يمكن أن يكون إيجابيا، رغم أنك تكون متميزا في عملك وتتطور بشكل سريع جدا ولكنك تهمل الجانب الإجتماعي بنسبة كبيرة وأيضا بعض الهوايات تنساها لأن كل تركيزك يكون للعمل حتى في أوقات فراغك، فالحل هو التوازن وتحديد وقت العمل ووقت لتطوير نفسك أيضا سواء على مستوى عملك أو حياتك الشخصية، فهذا التوزان هو ما يجعلك متميزا فعلا لأنه لا يكون هنالك ضغط عليك.
ممكن أن يكون اندماجنا في العمل جزءًا من تحقيق ذاتنا وشغفنا، بعض الأشخاص يجدون راحتهم النفسية والجسدية في الاستغراق التام في مشاريعهم، مما يُشعرهم بالإنجاز المستمر.
المشكلة يا ياسين أن المشاكل الجسدية وحتى النفسية لا تطرق الباب قبل أن تأتي ولا تنذر بحلولها، فغالبًا ما نلتفت إليها بعد تفاقمها، وتكون المُعالجة أصعب. أنا فعلًا أسعد كثيرًا بتحقيق نجاح بعد فترات ضغط وانغماس في العمل، لكن المداومة على هذا خطأ كبير يجب تداركه في بدايته.
ونسيان حياتنا الشخصية
ذكرتني هذه العبارة ببداياتي في مجال العمل الحر، كنت في فترة الجامعة، وجاءت عليّ فترة ضغط حيث اجتمع عليا ضغط عملي كمستقل مع ضغط فترة الامتحانات الجامعية، حرفيًا نسيت فيها شيء اسمه "حياتي الاجتماعية" لذلك الآن أنا عنيد جدًا مع نفسي في موضوع تقسيم الوقت.
الآلية كالآتي:
- حددت وقت ثابت في يومي لا أفتح فيه برامج عملي كمستقل ولا المنصات، وأحاول جاهدًا الالتزام بهذا الأمر مهما كان ضغط العمل.
- الوقت ضيق لذلك (نقسم المُقسّم) ما بين إدارة شؤوني الاجتماعية، والحفاظ على وردي القرآني، وفترات القراءة (أو ممارسة أي هواية مفضلة).
- أقنعت نفسي أن الأمر لا يخصنا نحن فقط (مجال العمل الحر) فحسب، لدي أصدقاء يعملون في شركات خاصة ويعانون من نفس المعضلة، فإدارة الوقت عامل مهم لنا جميعًا على مختلف المسميات الوظيفية.
حددت وقت ثابت في يومي لا أفتح فيه برامج عملي كمستقل ولا المنصات، وأحاول جاهدًا الالتزام بهذا الأمر مهما كان ضغط العمل.
صحيح ولكن المشكلة أن إدمان العمل يجعلنا نفكر فيه حتى في أوقات الراحة، على سبيل المثال أحيانًا أحدد لنفسي وقت خاص للترفيه أو القيام بأي شيء أحبه ولكن أجد ذهني مشغول دائمًا بالعمل، وأقول في نفسي متى سأنتهي منه وكيف وتفاصيل أخرى كان ينبغي أن تغيب عن ذهني خلال فترة الراحة، لذلك أحاول قدر الإمكان حل المشكلة بممارسة الرياضة والتحدث مع العائلة خلال فترات الراحة بحيث أتوقف تمامًا عن التفكير في العمل.
هذه مشكلة صعبة، لأن الاسترخاء لن يُعد استرخاء طالما الذهن منشغل في التفكير في أمور العمل. سيكون الجسد هو من يسترخي فقط!
لذلك أحاول قدر الإمكان حل المشكلة بممارسة الرياضة والتحدث مع العائلة خلال فترات الراحة بحيث أتوقف تمامًا عن التفكير في العمل.
بالطبع الإندماج مع الآخرين في أوقات الاسترخاء سيعزز من تشتيت الزهن بعيدًا عن التفكير في العمل.
مع بداية عملي في مجال العمل الحر، فقدت السيطرة على حياتي تماما، خصوصا انني قد واجهت تجربة صعبة في مشروعي الأول، كنت أعمل على المشروع تقريبا طوال اليوم دون راحة. لكن مع الوقت وبعد المشروع الثالث أو الرابع أدركت أنه بالرغم من تلك السعادة التي أشعر بها عند انغماسي في العمل، الا أنني لا يمكن أن أستمر على تلك الحال، خصوصا وأن حياتي الاجتماعية وصحتي الجسدية قد ساءت بشكل ملحوظ، لذلك بدأت بوضع فواصل صارمة بين العمل والحياة، فأنا أعمل حتى وقت معين، وبمجرد ما يحل ذلك الوقت أتوقف عن العمل واباشر حياتي. ورغم أنني ما زلت أواجه بعض الصعوبات في الأمر، إلا أن تخطيط اليوم من بدايته يساهم في تحسين قدرتي على الفصل بين العمل والحياة بشكل كبير
نعم، أتفق معك بشكل كبير فقد نعمل طوال اليوم دون أخذ بعض الراحة، ولكن هناك فرق كبير بين إدمان العمل، والإحتراق الوظيفي.
يمكن القول إن إدمان العمل هو الإنشغال بشكل كبير بالعمل بدافع الإنجاز المستمر، بينما الاحتراق الوظيفي هو الشعور بالإرهاق وفقدان الحافز بسبب الضغوط المستمرة في العمل.
لذلك ربما يكون إدمان العمل له هدف نحتاج إلى تحقيقه، وبعد تحقيق العمل قد تكون حياتنا طبيعية مرة آخرى، لكن على الرغم من حبك لعملك وإدمانه لا تجعله يصل بك للإرهاق والتعب الجسدي والذهني.
ويأتي السؤال هنا، هل يستطيع كل واحد من أن يفرق بين إدمان العمل، والإحتراق الوظيفي؟
منذ ان بدأنا العمل يجب أن نضع خطة لتنظيم مهامنا اليومية، والتي تشمل أوقاتا فاصلة للراحة والترفية والهوايات وتنمية المهارات واجتماعيات بجانب العمل، لأننا لو وضعنا العمل أولوية لن نجد مساحة لباقي الأنشطة وسننساق بسهولة خلف الاستمرار في العمل حتى يصبح ادمانًا.
إدماني للعمل كمستقل، إلى جانب وظيفتي الخاصة وتعاملي مع مجموعة من العملاء الذين أقدم لهم خدماتي بشكل مستمر، جعلني أشعر بعدم الراحة. ولحل هذه المشكلة، قمت بالتالي:
1.تخصيص يوم راحة في الأسبوع
خلال هذا اليوم، لا أستقبل أي مكالمات من العملاء أو العمل، مما يسمح لي بالتجديد النفسي والجسدي.
2.وضع خطوط حمراء في العمل
الظروف الاجتماعية والعائلية تعد خطًا أحمر لا أستطيع تجاوزه. على سبيل المثال، في حالات الوفاة - لا قدّر الله - أو مرض أحد أفراد العائلة - لا سمح الله - لا أقدّم العمل على مصلحة العائلة أبدًا.
3.تنظيم جدول للراحة اليومية
خصصت أوقاتًا يومية لأخذ قسط من الراحة، سواء لقضاء التزامات اجتماعية أو الاهتمام بالأمور الشخصية، ما يضمن لي استعادة النشاط.
بفضل هذه الخطوات الثلاث، بدأت حياتي الاجتماعية تتحسن، وأصبحت قادرًا على تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية.
التعليقات