إذا كنت واحداً من أصحاب المواهب المتعددة والاهتمامات المتنوعة، فماذا تفعل وسط مجتمع أصبح أسير مفهوم التخصص الأوحد؟ وهل من الحكمة تقديم خدمات ضمن مجالات مختلفة بدلاً من التركيز على مجال واحد؟

في الماضي، لم يكن مفهوم التخصص ضمن مجال واحد شائعاً بين أوساط الناس إلى هذه الدرجة المقلقة في أيامنا هذه، بل كان العديد من العظماء السابقين أمثال «ابن الهيثم»، و«ليوناردو دافنشي»، بارعين ضمن مجالات متعددة.

صحيح أن التخصص مهم، لأنك حين تصب تركيزك على أمر واحد لمدة طويلة تصل به إلى أعلى درجات الإتقان. لكن من جهة أخرى يعد تنوع الخدمات استراتيجية ذكية تساعدك على توسيع رقعة عملائك. بينما مبيعات خدمتك لكتابة المقالات متراجعة أو متوقفة، قد تبيع خدمة الترجمة، وبينما لا تباع هذه أو تلك، ربما يُشترى كتاب من تأليفك، وهكذا دواليك.

التخصص مهم دون شك، لكن التنوع ضروري لمواكبة المنافسة الشرسة. إلا إذا كنت تستطيع تقديم خدمة مطلوبة للغاية، بأسلوب وجودة لا تُضاهى، أو يندر من يقدمها بنفس المستوى. عندها سأقول لك: «ألف مبارك، ستحقق مبيعات باهرة».

تنويع الخدمات لا يعني إهمال فكرة التخصص. مع التنظيم الجيد للوقت، يمكنك تقديم خدمات ضمن عدة مجالات تتقنها، مع التركيز الأكبر على مجال واحد أو اثنين (مثل الكتابة والترجمة لاتصالهما ببعضهما) للوصول إلى أعلى مستويات الجودة.

أما إذا كنت تفضل تقديم خدمات موحدة، فعندها بمقدورك تنويع خدماتك ضمن المجال ذاته. فإن كنت كاتباً، تستطيع إضافة خدمة لكتابة المقالات، وأخرى لصياغة التغريدات، وثالثة لإعداد النصوص التسويقية مثلاً، وهلم جرّاً.

لكن، وألف لكن! بعض الناس متعددو الاهتمامات والمواهب، إذا حرموا أنفسهم من التنوع، أصبحوا كعصافير محبوسة داخل أقفاص مغلقة. أمثال هؤلاء لا يتألقون إلا إذا حلقوا في سماء رحبة، عبر تقديم خدمات ضمن مجالات متنوعة يبرعون فيها.

بينما أهوى الكتابة والترجمة، يرافقني هوس قديم تجاه لعبة الشطرنج، ما دفعني إلى تخصيص خدمتين لها عبر خمسات: واحدة تعرض كتاباً تعليمياً، وأخرى لتعليم مهارات اللعب وصولاً إلى المستوى المتقدم. كما ستجد عندي خدمات أخرى، مثل: (صور دون حقوق ملكية، وإضافات قيمة للمتصفح... إلخ) يحتاج إعدادها جهداً ووقتاً، لا إتقاناً لتخصص معين.

 في بداية مسيرتي، أضفت بضع خدمات متنوعة، ثم قرأت موضوعات لمن ينتقدون الباعة الذين تزخر صفحاتهم بخدمات متباينة. تأثرت وقتها بما قرأته، فسارعت لإيقاف بعض خدماتي مؤقتاً ريثما أجرب شيئاً جديداً. وعلى الفور، عرضت فقط خدمات تنتمي إلى مجال واحد، لكنني شعرت مع الأيام بعدم الراحة كأن شيئاً يكبّلني ويحرمني لذة الإحساس بالإنجاز.

 في النهاية، اكتشفت أن تقديم خدمات ضمن تخصص واحد ليس شرطاً لزيادة العملاء والأرباح، إذ كنت أبيع أكثر عندما كانت جميع خدماتي المتنوعة مفعلة، كما قرأت نصوصاً عدة تشير إلى خطورة تبني مفهوم التخصص، خصوصاً على أصحاب الاهتمامات المتنوعة، من بينها ما ذكره كتاب «إدارة الأولويات لمتعددي المواهب والقدرات»، للمؤلفة «باربرا»:

 «إذا توقف الأشخاص متعددو المهارات والقدرات عن التفكير في إلزام أنفسهم بالتخصص بمجال واحد فسيمكنهم التخلص من (90%) من المشكلات التي تواجههم... أما معاناة هؤلاء الأشخاص فتكمن بشعورهم بالحرمان، لأنهم مقتنعون بوجوب تخصصهم بمجال واحد مع توفر رغبتهم العارمة في العمل ضمن مجالات متعددة. وإذا أجبروا أنفسهم على اختيار تخصص محدد، فسيعيشون تعساء طيلة عمرهم. ومع أن المجتمع لا يتقبل فكرة إطلاق الأشخاص العنان لاهتماماتهم المتعددة، إلا أن هذه هي طبيعة الأشخاص متعددي الاهتمامات والمواهب؛ فلا يستطيعون الحد من قدراتهم، ولا يجب أن يحاولوا ذلك».

 إذن، هل أدعوك إلى تقديم خدمات ضمن مجالات مختلفة؟

إن لم تكن لديك اهتمامات متنوعة، وتفضل التركيز الكامل على مجال واحد، فهنيئاً لك. نصيحتي الوحيدة، هي أن تنوع خدماتك في المجال نفسه، حتى لا تعتمد على خدمة أو اثنتين، إذا تراجعت مبيعاتهما أو توقفت فجأة جلست تندب حظك.

 أما إذا كنت من أصحاب الاهتمامات المتعددة، فإياك أن تحصر نفسك ضمن مجال واحد. يمكنك تنويع خدماتك، شريطة أن تقدمها بجودة عالية، مع إيلاء التركيز الأكبر على مجال أو اثنين. عن تجربة شخصية، ستجد عشرات العملاء المستعدين للشراء منك، وستعزز بالتالي فرصك في كسب أرباح أعلى. كما أن هناك خدمات يمكنك تقديمها دون الحاجة إلى أي خبرة مسبقة، مثل خدمات بيع صور دون حقوق ملكية تحت الطلب أو جمعتها مسبقاً، أو خدمات تبيع عبرها ملفات قيمة جمعت المعلومات والنصائح المطروحة داخلها عن طريق البحث الدقيق عبر الإنترنت.

 وختاماً أقول: لا تضع سقفاً لأحلامك، ولا تحصر نفسك ضمن تخصص واحد، خصوصاً إذا كنت من أصحاب المواهب والاهتمامات المتعددة. بل أطلق العنان لطاقاتك الدفينة، واسمح للأفكار المبتكرة بالتدفق بحرية تامة، ودع النور الكامن داخلك يخرج إلى السطح، متجاهلاً مفاهيم المجتمع المغلوطة، والحدود التي يود الآخرون رسمها لحياتك الشخصية والمهنية.