متى يعرف المستقل أنه يجب أن يتوقف عن الاستمرار في المجال الذي يعمل فيه والاتجاه لمجال آخر؟

القصة التي شاركتها عن صديقك تلقي الضوء على جانب مهم في مجال العمل الحر، وهو أن النجاح ليس مجرد امتلاك المهارات أو الخبرة في مجال معين، بل يتطلب أيضًا تحديد ما يثير اهتمامك وشغفك والعمل نحو تحقيقه.

لأنه عندما نبدأ في مجال ما فقط من أجل النجاح المادي أو لأن الآخرين ينصحون به، قد نجد أنفسنا في موقف لا نستمتع فيه بالكامل أو نحقق فيه النجاح المطلوب، فمن الضروري أن نكون صادقين مع أنفسنا حول ما يثير اهتمامنا ويجعلنا نشعر بالتحفيز والارتياح، وأن نتجه نحو ذلك الاتجاه بدلاً من اتباع النصائح العامة أو الاتجاهات الشائعة.

لذلك يجب على المستقلين أن يكونوا حذرين ومتابعين دائمًا تطورات أهدافهم وشغفهم، وأن يكونوا مستعدين لتغيير اتجاهاتهم وتوجهاتهم إذا لزم الأمر، حتى لا يجدوا أنفسهم في موقف لا يروق لهم أو لا يحقق لهم الراحة والنجاح الذي يسعون إليه.

هذا يذكرني بمقولة قديمة تقول "ليس كل ما يلمع ذهباً". قصة صديقك في البرمجة تعكس حقيقة مهمة جداً في عالمنا اليوم؛ النجاح في مجال معين لا يعني أن الجميع سيحقق نفس النجاح فيه. البرمجة، مثل أي مهنة أخرى، تحتاج لشغف ومهارة خاصة، وليس الجميع يمتلك ذلك.

من الجيد أن الأشخاص الذين تابعوا نصيحة صديقك حاولوا، لكن الأهم هو أن يعرف الشخص متى يجب عليه التوقف وإعادة تقييم مساره. صديقك الذي تحول إلى التسويق الرقمي وجد شغفه الحقيقي ونجح فيه، وهذا يعطينا درساً قيماً.

الحياة قصيرة جداً لتضييع الوقت في مجال لا يجلب لك السعادة أو الإشباع. لكل منا مواهبه واهتماماته الخاصة، والتحدي الحقيقي هو في العثور على ما يناسبنا حقاً. قد تكون البرمجة لصديقك، والتسويق الرقمي لآخر، وربما شيء مختلف تماماً لشخص آخر.

ما يهم هو الشعور بالرضا عن العمل الذي نقوم به، والإيمان بأننا نسير في الطريق الصحيح بالنسبة لنا. العمل يجب أن يكون مصدر إلهام وسعادة، لا مجرد وسيلة لكسب المال.

العبرة التي استخلصتها هي أن واقع الناس ونجاحاتهم ليست قابلة للتعميم على الجميع، فكلّ له ظروفه وخصوصياته، فليس من الطبيعي والمنطقي أن يصبح الجميع مقاولين ذاتيين أو رائدي أعمال وحتى مبرمجين، يجب أن يكون هنالك الطبيب والمقاول والعامل الحر والفلاح والتاجر والحلاق وهذه هي سنة الحياة.

فالواحد منا يجب أن ينظر إلى نفسه لا إلى غيره، أن يدرس خططه الراهنة والمستقبلية وأن يعمل بجد لتحقيقها كلّ في مجاله، وحينما يرى الانسان أن المجال الذي يعمل فيه قد أصبح لا يقدم له الإضافة اللازمة له كي يستمر في حياته هنا عليه أن يعيد حساباته، ولست من داعمي فكرة الاستقالة والبقاء تحت شبح البطالة ريثما نجد عملا جديدا، كلا، أنا مع العمل على إيجاد وظيفة جديدة ومجال جديد قبل مغادرة المنصب القديم، فبالطبع توجد هنالك مغامرة لكني لا أحبّ المقامرة خاصة إن كان الانسان متزوجا ولديه عائلة وقوت يومه متركز على مصدر دخل واحد ومحدود.

بشكل عام ستكون هنالك مشؤشرات معينة ستجعل من المستقل يغير عمله وحتى مجال عمله، مثلا لو رأيت بأن هذا المجال فيه تنافسية كبيرة وأن العوائد والأرباح ليست بالشكل الذي خططت له، فسأقوم مباشرة بوضع خطة جديدة للانتقال إلى عمل جديد حتى لو كان المجال جديدا علي مئة في المئة، سأبدأ بفترة تعليم محدودة تليها مرحلة التطبيق وعمل مشاريع ثم أجهز معرض أعمال جديد، وأسوق له كي أظفر بعملاء جدد في العمل الجديد، فتغيير مجال العمل الحر أسهل بكثير من تغيير عمل وظيفي خاصة لما فيه من إجراءات صعبة وأوراق ووثائق وغيرها، كما أن فيها مخاطرة كبيرة في حين في العمل الحر أساسا المستقلون ميزتهم أن أرباحهم غير ثابتة وغير مضمونة من الأول فلن يؤثر ذلك كثيرا.

المفتاح هنا هو الوعي بأن النجاح ليس مجرد اتباع الدروب التقليدية، بل هو الاكتشاف الشخصي لما يجعلك تشعر بالحياة والتأثير الإيجابي في مجتمعك، فقد يكون العمل في مجال البرمجة مشوقا للبعض، ولكنه ليس بالضرورة يكون كذلك للجميع، وهذا ما يجعل الاستكشاف الذاتي واختيار المسار المناسب أمرا ضروري لتحقيق النجاح الشخصي والمهني.

ليس للنجاح قوالب جاهزة يمكن استنساخها، صحيح أننا قد نستلهم الفكرة من هنا أو من هناك، لكن هذا الاستلهام لا يجب أن يكون أعمى، بل يجب أن يسير وفق ما يشغفنا ووفق اهتماماتها ومعطياتنا.

من الجيد أن ينجح صديقك في مجال البرمجة، لكن هذا لا يعني أن الجميع سينجح بنفس الطريقة، والتشجيع على تعلم مهارات جديدة أمر إيجابي، لكن يجب مراعاة قدرات واحتياجات كل شخص، فلا ينجح الجميع في نفس المجال، فلكل شخص مهاراته وشغفه، كم أن التركيز على الشغف يمنحنا دافعية أكبر للنجاح وتحقيق نتائج أفضل.