لمن يُريد تطوير المحتوى العربي بحقّ، لمن كان وفيًا للبيان العربي، هذه النفثة لكم.

من أكثر ما أراه رائجًا في السوق العربي، هو طلبات وعروض مثل هذه، هذا يُريد مقالًا يتصدّر نتائج البحث، وهذا يعد بأن يكتب مقالًا بأكثر من ألف أو ألفي كلمة.

أتخيّل هذا الذي يعد بألوف الكلمات، يُقلّب عينه بقلق حين يكتب على عدّاد الوورد: ها قد وصلتُ لـ 800 كلمة، عليَّ أن أحشو أكثر!

إذا كان هدفك أن تتصدَّر نتائج البحث بأيّ طريقة، هذا لا يُطمّنني لمحتواك، إن كُنتَ تحسب الكلمات تُكال كيلًا، سأفترض أنَّك تحشو مقالاتك أكثر من حشو جدّتي الزر الأحمر في ثنيات ورق العنب الرقيقة.

تصيّد الكلمات لتصدّر نتائج البحث، أراه الحلّ الأسهل، حلّ من يُريد أن يختصر الطريق، حلّ من تُعييه الجودة.

أنا لا أنكرُ لما للسيو من فوائد، لكن أن يكون هو الهدف من الكتابة، هذا أمر مُنفِّر، وأعرف هذه الصناعة لدرجة أنَّ عيني تعرف الذي كان يستقصد حشوَ هذه الكلمة في السياق، لأنّ احصائية جوجل أظهرَت له أنّها الأكثر استعمالًا، أعرف عددًا من المواقع التي تستعمل هذا الأمر بكثرة، وأفرُّ منها فراركَ من مجذوم.

لم يعد الكاتب يُحدِّث قارئه، لقد أصبحَ اليوم يُحدّث خوارزمية أرشفة البحث!

كتبتُ مرّة مقالًا عن أنكي والتكرار المُتباعد والدراسة، وهي تتصدّر نتائج البحث اليوم، ولا أرى من يفوقها في مستقبل قريب، أتعرفون السبب؟ كان المقالُ جيدًا مُعبّرًا، ولم أضع فيه عبارة واحدة لأجل "السيو". لو أردنا تطوير المحتوى العربي بحق، لكان "تحسين محرّكات البحث" من همومنا الثانوية، ولكانت الجودة أكبر همومنا وأقصاها.

رغم أنِّي أحنُّ لعهد المقالات القديمة، مقالات الجرائد والمجلّات، لكنِّي لا أتركُ هذا الحنين يحكمني، أقرُّ بأنَّ معرفة أساسية بطريقة عمل محرّكات البحث تهمّ كل كاتب، وقد يحتاج أحيانًا لابدال بعض الفقرات بأخرى، الأمر يشبه أن يُبدّل طبيبًا كلمة المرض الأكاديمية لكلمة عاميّة يعرفها المريض البسيط.

لكن حين يغيّر الكاتب هذا المضمون، عليه أن يعي السبب، إنّه يُبدّلها لأنّها تهمُّ الناس، إنّها أقرب لأفهامهم، لأنّ الباحث البسيط سيهتم بهذه الجملة ويكثر بحثه عنها، وليس لأنّ الروبوت يُحبّ هذه الكلمة. لقد أسأنا لقرائنا وللغتنا بالتكلّف والاسراف في استخدام هذه الأساليب.