كل يوم، أرتدي بيجامتي وألبس حذائي الرياضي، كأنني أستعد لطقسٍ سري مقدس. أخرج من قلب بيروت الصاخبة، لأغمر نفسي في عالم آخر، حيث حرش الصنوبر يمتد بلا نهاية، أو كورنيش البحر يهمس بأصواته الهادئة. ساعة أو أكثر من المشي ليست مجرد حركة للجسد، بل رحلة للروح، تمنحني شعورًا غريبًا من اللذة الداخلية، صافية ونقية، كأول أشعة الشمس على مياه البحر.

في البداية، كنت أمشي بسرعة، أراقب المارين، حتى وقع نظري على العجائز من الرجال والنساء، يركضون دون تردد، بابتسامة على وجوههم وكأن الزمن ملك لهم. شعرت بنداء داخلي لا يمكن تجاهله: لماذا لا أجرب الركض؟ هكذا بدأت الركض لمسافات قصيرة، وأشعر باللذة في كل نفسٍ يقطع صدري، وكل خطوة تجعل قلبي يعلو مع الأوكسجين والحيوية. ومع كل خطوة، أتذكر السيغارة التي كانت صديقتي القديمة، وألعنها لأنها حبست أنفاسي وأضعفت روحي.

لا أحمل الكثير من النقود في جيبي، سوى ما يكفي لشراء الماء، ولا أعتمد على التاكسي للعودة، فالمشي والرجوع على قدميّ صار عادة أحملها كطقسٍ يومي للتصميم والعزم، تمرّن على الصبر والإصرار. لا فرق إن كان الصباح الباكر أو بعد العشاء؛ كل توقيت له سحره الخاص، وكل طريق يعلمني شيئًا جديدًا عن بيروت، عن نفسي، وعن الحرية الصغيرة التي أجدها بين خطواتي.

أدعو الجميع لاكتساب هذه العادة، لا لتفادي الملل أو الكسل، بل لاكتشاف اللذة الخفية في الحركة، والانغماس في انسجام الجسد والروح. كل خطوة ليست مجرد مسافة تُقطع، بل حكاية تُروى، ولحظة تنقلنا بعيدًا عن ضجيج الحياة اليومية، نحو مساحة صافية من السلام الداخلي.