في شهر سبتمبر 2024، فتحت أبواب تجربة لم أكن أتخيل يوماً أنني سأخوضها. تجربة الإحصاء الوطني السابع بالمغرب، الذي يُقام كل عشر سنوات، كانت بالنسبة لي أكثر من مجرد عمل ميداني لكسب العيش. كانت نافذة تطل على عالم جديد، حيث كل باب أطرقه يروي قصة، وكل أسرة أقابلها تكشف عن وجه مختلف من ملامح الوطن.
قبل أن تبدأ رحلتي، كنت أسمع عن الإحصاء كأرقام وجداول تنتهي بتقرير حكومي. لكن أبي، الذي عاش تجربة مماثلة في إحصاء 1994، كان يرى فيه شيئًا آخر. كان يحكي عن تفاصيل إنسانية، مواقف غريبة، ولحظات اكتشاف ذاتي مر بها خلال تلك الأيام. كلامه زرع في داخلي رغبة عميقة في أن أعيش هذا الواقع بنفسي، ليس فقط لمعرفة "كم عددنا"، ولكن لأفهم "من نحن".
طوال ثلاثين يومًا، وجدت نفسي أتنقل من حي إلى حي، ومن دار إلى دار، في رحلة استكشاف ممتدة على أكثر من 300 أسرة. كل بيت كان عالمًا مستقلًا: وجوه مبتسمة أحيانًا، متجهمة في أحيان أخرى؛ أسئلة تُطرح بحذر أو بفضول، وقصص تُسرد من القلب أو تُخفى بحذر.
منذ اليوم الأول، أدركت أن الإحصاء ليس مجرد عمل تقني أو إداري، بل هو تجربة إنسانية عميقة. رأيت كيف ينقسم مجتمعنا إلى طبقات، وكيف يتفاوت الناس بين الغنى والفقر، وبين المعرفة والجهل. اكتشفت أن خلف الأرقام الرسمية التي نسمعها، هناك وجوه حقيقية، ومعاناة خفية، وأحلام مؤجلة.
بين ضحكات المواقف الطريفة ودموع الحكايات المؤثرة، كنت أشعر بثقل المسؤولية. ليس فقط كباحث إحصاء، بل كشاهد على تفاصيل تجعلني أعيد التفكير في أشياء كنت أظنها تافهة، وأخرى اكتشفت أن الناس لا يتحملون وزرها.
"إحصائيات غير رسمية" هو العنوان الذي اخترته لهذه التجربة. لأنه رغم أهمية الأرقام، تبقى الحكايات هي الأصدق والأكثر تأثيرًا. ومن خلال هذه السلسلة، سأحاول أن أشارككم بعضًا من هذه اللحظات، بدون ذكر أسماء أو تفاصيل شخصية، حفاظًا على سرية الناس، لكن بكل الأمانة التي تستحقها هذه القصص.
في هذه الصفحات، ستعيشون معي مواقف طريفة وأخرى محزنة. ستدخلون معي بيوتًا مختلفة، وتتعرفون على طبقات المجتمع المغربي من زوايا غير مألوفة. هذه ليست مجرد حكايات شخصية، بل شهادة عن مجتمع متنوع في كل شيء: أحلامه، همومه، وحتى ضحكاته.
فلنبدأ رحلتنا معًا، من باب إلى باب، ومن قصة إلى أخرى.
بقلمي: محمد أمين شبكوني
التعليقات