في ليلة من ليالي المناوبات الثقيلة... وأنا بمر بين الأسرة في قسم جراحة الأطفال بمستشفى أطفال أسيوط الجامعي – المكان اللي شفت فيه ألوان كتير من الالم المزدوج للطفل والاهل، واللي اتعلمت فيه حاجات عمري ما كنت هتعلمها من كتب – جالي استدعاء من حضّانة الأطفال.

البلاغ: "مولود عنده أعراض انسداد معوي".

دخلت غرفة استقبال الحالات فى الحضانة، لقيت طفل حديث ولادة ،جسمه ساكن، لكن بطنه منتفخة... وقبل ما ألمسه حتى، وصلتني ريحة براز نفاذة.

قربت، وبدأت الفحص.

بطنه منفوخة جدا ، مفيش حركة أمعاء،

جيت أعمل فحص شرجي... ولقيت المفاجأة: فتحة الشرج مقفولة تمامًا.

في اللحظة دي، عقلي بيحسب بسرعة: "مسدود من تحت... طب الريحة دي منين؟"

وبعد ثواني... لقيت الجواب قدامي.

الولد كان بيرجع… بـراز!

أيوه، براز حقيقي بيخرج من بقه… منظر عمري ما هنساه، رغم كل اللي شفته قبل كده في الطوارئ والجراحة.

ساعتها، وجهت نظري للأم...

– هو كده بقاله قد إيه؟

قالتلي بصوت واطي: "من أسبوع".

استغربت، وقلت: "أسبوع؟! طب ليه استنيتي كل ده؟ أنتي عارفة بيرجع إيه؟"

قالتلي: "عارفة إنه براز..."

بس هنا صوتها بدأ يتكسر...

نظرتها كانت مزيج من الحزن، والانكسار، والذنب.

وفجأة القنبلة الموقوتة انفجرت...

قالت بصوت عالى:

"عارفة... وشايفاه وهو بيرجع كل يوم، وأنا مش عارفة أعمل له حاجة... قاعدة جنبه متكتفة... حاسة إني ولا حاجة!

كل يوم يبصلي وأنا حاسة بالعجز، وأنا أم!

بس أعمل إيه؟ أنا من نجع حمادي، وودّيته المستشفى هناك، قالولي لازم يروح أسيوط يعمل عملية...

بس حتى المواصلات مكنش معايا حقها!"

ساعتها... سكت.

مش بس لساني اللي سكت، ده عقلى كمان.

وحسيت بكل حرف في مقولة الإمام علي:

"لو كان الفقر رجلاً لقتلته".

وبعدها عرفت إن فيه حد من أهل الخير في البلد سمع عن حالتها، وتكفّل بالمواصلات، وساعدها توصل.

المشهد كله كان صعب من واقع مرير..

طفل بيرجع البراز من بقه، وأم مش قادرة تنقذه، مش علشان مش بتحبه…

لكن علشان مش معاها "حق مواصلة"!

مش كل ألم سببه مرض... أحيانًا السبب فقر، قهر، أو عزلة.

ربنا يشفى كل مريض ويلطف بينا .