جمعة بعد جمعة ورمضان بعد رمضان وعيد بعد عيد وعقارب الساعة لا تتوقف عن الدوران......

الحياة كلها عبارة عن عام واحد يتكرر كلما انتهى يُعاد تشغيله من جديد .....

وفي كل عام يولد ناس وتموت ناس، نستقبل ناس بفرح ونودع آخرين بحزن..... 

وفي كل عام تتخرج دفعات من الجامعات والمعاهد وايضاً تلتحق دفعات جديدة بالجامعات والمعاهد...... 

ونحن اليوم نعيش مناسبة عظيمة تتكرر كل عام، يجتمع فيها الناس من اصقاع الارض وبكل الوانهم ولغاتهم وجنسياتهم ، تجمعهم لا اله إلا الله محمد رسول الله ، يرددون صوت واحد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك...... 

وفي نفس الوقت هناك تحت كل سماء وفوق كل أرض اخوان لهم في الدين يرددون : الله اكبر الله اكبر ،الله اكبر الله اكبر، لا اله إلا الله، الله اكبر الله اكبر ولله الحمد.....

ما اجمل منظر الحجيج وهم يلبسون الملابس البيضاء كأنهم ملائكة تمثلت في صور البشر يكبرون ويهللون ويلبون ويتخلصون من ذنوبهم ليرجعوا بعد ذلك كما ولدتهم أمهاتهم..... 

لو عدنا إلى الماضي البعيد قبل الف سنة من الآن لشاهدنا حجيج ذلك الزمان وهم يؤدون مناسك الحج، قد تتغير الأبنية ولكن الناس هم الناس، والملابس هي الملابس والتكبير هو التكبير والتلبية هي التلبية..... 

أين اولئك الحجيج الآن هل تحس منهم من أحد وهل ترى لهم من باقية..... 

ما اسرع مرور الايام وما اسرع مرور الاعوام وما اسرع مرور القرون...... 

والناس مثل الزرع الذي ينمو ويخّضّر ثم يصفر ثم يكون حطاما ثم ينبت زرع آخر ويتكرر السيناريو...... 

نحن اليوم الموجودون في ملعب الحياة، وغداً سنختفي كما يختفي الزرع وكما تختفي الغيوم وكما تختفي المناسبات السعيدة....

وكم من الناس اختفوا، وكم اختفت من مناسبات، وكم اختفت من دول، وكم اختفت من اعوام، ومازالت الحياة تشق طريقها، ارحام تدفع وأرض تبلع، واحداث ووقائع وافراح واتراح..... 

وغداً سيولد العيد

ليس العيد الأول فقد مضت قبله أعياد، وليس العيد الأخير فستأتي بعده أعياد، ولكن لا ندري هل ندركها أم نختفي قبل مجيئها..... 

العام الماضي كان لي صديق مايزال في زهرة شبابة ، وقبل عيد الاضحى الماضي خرجنا في رحلة إلى البر ونمنا هناك وصنعنا لنا ذكريات بعضها في ذاكرة الجوال وبعضها في ذاكرة الجمجمة...

وقبل اشهر قليلة كان يذاكر لابنائه ثم ذاكر لزوجته فقد كانوا في فترة امتحانات وبعدها نام في فراشه ولم يكن يشكو من اي شي وفي منتصف تلك الليلة شهق شهقة استيقظت على أثرها زوجته ووجدت زوجها قد فارق الحياة وودعها ورحل ولم يبق لها الا الذكريات والاطفال الصغار ...... 

ودعنا جميعاً من دون سابق انذار ومن دون حتى كلمة وداع....

عندما أتذكره اقول في نفسي معقول لن أراه بعد اليوم، معقول اختفى من الحياة..... 

الحياة لن تتوقف لموت أحد ولكن المناسبات تذكرنا بهم وتجعلنا في حيرة من امرنا لا ندري هل نفرح بالعيد ام نحزن ، هل نضحك ام نبكي، هل نتبادل التهاني ام التعازي فما أكثر الذين فارقناهم وما اكثر ما فقدت غزة والسودان واليمن وليبيا وسوريا وغيرها من الدول العربية...... 

لكن ومهما يكن من شي سنواصل الحياة وسنواصل المسيرة وسنواصل الصبر حتى نسمع صوت الجرس.

عيدكم سعيد جميعاً وكل عام وأنتم بخير وأسال الله لنا ولكم العافية في الدنيا والآخرة