لن تذهب من ذاكرتي تلك الطفلة الصغيرة التي بالكاد يتجاوز عمرها سبع سنوات ، فقد كان لباسها شديد الإتساخ تمشي بشكل غريب جداً

وذلك بسبب جزمتها البلاستيكية المثقوبة بشكل شبه كامل لدرجة خروج أقدامها الصغيرة منها .

غير مرتبة ، وشعرها غير مصفف ، واختلط اللون الاصفر مع الأسود في غرتها لشدة ما عانت تحت الشمس ، كان يحتوي وجهها الكثير والكثير من الندوب والجروح مخلوطة بسواد القذارة .

دخلتْ إلى محل يبيع العطور والثياب والورد ، فأشارت بإصابعها الصغيرة إلى وردة حمراء اصطناعية تريد شراءها .

فسألها البياع : كم معك ؟

لم تنبث بأية كلمة ، لكنها مدّت يدها المتسخة الصغيرة بكل هدوء ، بكل ثقة وبنظرة غريبة فارغة جداً ، كأنها تملك الكثير فظهر أنها تحمل خمسة ليرات .!

ضحك البائع ، رمقها قليلاً .. بنظرة سخرية وإستهزاء

 سعر الوردة اكثر بكثير مما تملك تلك الطفلة في يدها .!

صمت قليلاً وقال لها اذهبي لا نبيع الورد هنا .

لم تجادل البياع البتة أو تتكلم معه اطلاقاً أو حتى تطلب صدقة منه وإنما اكتفت بأن تسير نحوي بخيبة رجل كهل مع عينيه الفارغتين لتقول لي :

تعال يا أخي الصغير سنكتفي اليوم بأن نضع دموعنا على قبر والدتنا كما كنا نفعل في السابق .