بقلم فاطمة اليافعي
مسبار الأمل، أمل كُل العرب
لقد كان 2020 م عاماً مليئاً بالخيبات، مُثقلاً بالعديد من الكسرات والمصاعب على العرب والعالم أجمع، إلا أنه يبقى عاماً لا يُمحى من الذاكرة العربية بصورةٍ عامّة، ودولة الإمارات العربية المُتحدة بشكلٍ خاص إذ وبالرغم من أنّها أنفت على تكثيف كافّة الجهود لمحاربة الجائحة الصحية ودحض انتشارها، فلقد سطّرت اسمها بحروف من ذهب في أوّل الركب في السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، لتكون الدولة العربية الوحيدة من بين تسع دُول فقط تطمح لاستكشاف هذا الكوكب، تسع دُول فقط رائدة في مجال سبغ الفضاء وسبر أسرار المريخ. وكما يُقال فإنّ أوّل الغيث قطرة، فلقد بدأت هذه الرحلة عبر مرسوم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، بإنشاء وكالة الإمارات للفضاء، وبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ، أُطلق عليه اسم "مسبار الأمل" ليكون أملاً لكل العرب.
الثاني والعشرون من يوليو 2020م
ويبقى الثاني والعشرون من يوليو 2020م يوماً مهماً ملهماُ محفوراً في تاريخ العرب أذ أُطلق المسبار في مهمته والذَي خُطّط له أن يصل إلى المريخ بحلول عام 2021، في توقيتٍ متزامنٍ مع ذكرى مرور خمسين عاماً على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة. وجرى التخطيط والإدارة والتنفيذ لهذا الإنجاز المُشّرف والعمل عليه على قدم وساق تحت إشراف فريق إماراتي يعتمد أفراده على مهاراتهم واجتهادهم لاكتساب جميع المعارف ذات الصلة بعلوم استكشاف الفضاء وتطبيقها، إذ تُشرف وكالة الإمارات للفضاء على المشروع وتموّله بالكامل، في حين يُطوّر مركز محمد بن راشد للفضاء المسبار بالتعاون مع شركاء دوليين.
الأهداف المرجوّة
لهذه المهمة عدّة أهداف عليمة ومعرفيّة سامِية، البعض منها، تجلّت آثاره قبل وصول المسبار ومنها الاستثمار في بناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي، بالتأكيد، سوف تعود بالنفع على البشرية، والتأسيس لاقتصاد مُستدام مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار، والارتقاء بمكانة الإمارات في سباق الفضاء لتوسيع نطاق الفوائد، وتعزيز جهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء لتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة.
الجدير بالذكر أيضاً أن هذا المسبار سيقدم وسينتج، أول صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ، بعد نجاح المهمة ودخوله في مدار الكوكب الأحمر في التاسع من فبراير من 2021م، وتستمر هذه المهمة لمدة سنة مريخيّة واحدة كما سيقدم العديد من الأجوبة على تساؤلات علمية فلكية تتناول الغلاف الجوي للمريخ وتعطي أسباباً بديهيةً لفقدان غازي الهيدروجين والأكسجين من غلافه الجوي.
لماذا المرّيخ؟
لقد كان هذا الكوكب الأحمر محط اهتمام العلماء والمهتمين في شؤون الفضاء لعدة قرون. لكن حديثاً طفت على السطح طفرة معلوماتية وبحثية تشمل عدد هائل من الدراسات حول المرّيخ أتاحت للكثيرين معرفة معلومات كثيرة عنه منحتهم الفرصة لتكوين رؤية مُمنهجة واستغلال التكنولوجيا اللازمة لاستكشاف المزيد عنه لكشف حقيقة اللغز ومعرفة ما إذا كانت هناك حياة خارج الأرض وصولاً إلى تمدد الحضارة البشرية إلى كواكب أخرى يوماً ما.
يشهد العالم توجهاً واهتماماً متزايداً باستكشاف الفضاء، ومسبار الأمل الذي أطلقته دولة الإمارات العربية المتحدة مثال على ذلك التوجّه العالمي. فاستكشاف الفضاء ينعكس إيجاباً على أي مجتمع لأنه يرتقي بمستويات التعليم، ويعزز قاعدة العلوم والتكنولوجيا فيه، ويوجّه اقتصاده نحو قطاعات جديدة. إنّ مهمة مسبار الأمل قد تكون الأهم من بين المهام الفضائية الحالية التي تستهدف الكوكب الأحمر، لا بل أبرزها، إذ أنّها تُسهم في تحقيق الأهداف الفضائية العلمية التي تفيد المجتمع العلمي العالمي وتعزيز الاهتمام بتخصُصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بالإضافة إلى إنها تمكّن جيلاً إبداعياً من الشباب والشابات، وتدعم رسالة الأمل بالمستقبل في العالم العربي.
حساب فاطمة اليافعي