كانت تقف فى شرفه غرفتها ..

فقد كان موعد الغداء عندما بحثت عنها ..

حيث وجدتها تقف فى شرفتها وحدها .. دخلت إليها ...

اسألها عما إذا كانت ستتناول معى الطعام ؟

اسألها هل على تحضيره الآن أم انتظر قليلاً ؟

حينها لامس الهواء المنعش القادم من الخارج وجنتي ..

لأشعر بالاسترخاء والانتعاش ،

قررت حينها أننى أرغب فى البقاء معها قليلاً .. نقف سويا  

فى ذلك الهواء المنعش ،

استفسر منها عن سبب وجودها بالشرفه !

لأجد سبت المنزل بين أيديها وقد وضع أبى بعض من طلبات المنزل بداخله ،

لم تتعدى الثواني حتى ارتفع السبت مرة أخرى ،

لتضعه على أرضية الشرفه ..مترددة في الدخول ،

فكم كان الهواء منعشا و جميلاً حقا !

كانت شرفتنا فى الدور الرابع من خلالها ترى وتشعر بالكثير ،

وضعت يدى أسفل دقني متراخية على سور الشرفه وهى بجانبي ،

اسألها ؟

ما رأيك بخمس دقائق في ذلك الجو الجميل !

نظرت لى بابتسامه رقيقه تومئ رأسها فى موافقه ،

يبدو أنها شعرت بما شعرت به .. لحظات الاسترخاء تلك ،

فى لحظات تأمل مع شرود قصير ،

أخذنا ننظر سويا للمارة فى شارعنا أسفل شرفتنا ،

أتأمل الناس ذهباً وإياباً حتى يتواروا عن الأنظار

في شوارع جانبيه ،

أنظر على ذلك الرجل العجوز ومعه حفيدته .. تفلت منه .. فيجري

وراءها بجسده المنهك .. يمسك بها بعد مشقه كبيره وهو يلهث ،

أم تلك المجموعه من السيدات فى ذلك الرداء الأسود يبدوا أنهم ذاهبون إلى جنازة أحد ما أو ربما كانوا عائدون منها ،

حيث وراء كل منهم روايه لا يعلم عنها إلا صاحبها ،

اسرح بأفكاري بعيداً ،

بعد تفكير عميق ..

وجدتني أطرح عليها سؤالاً !

ياترى ما حال كل هؤلاء الأشخاص ؟ 

حيث وقعت عيناى على مجموعة الفتيات الصغيرات بجانب الصيدليه بشارعنا بعد خروجهم من المدرسة يتسامرون ،

مشهد أخذني لسنوات ماضيه .. يسترجع فيها ذهني بعض من الذكريات الجميلة ،

أتذكر فيها بعض من أجزاء طفولتي مع أصدقائي ..

 و الخروج من المدرسه بعد يوم طويل ..

نختطف بعض الدقائق سويا فى طريقنا للبيت لنتحدث قليلاً قبل الافتراق والعودة لمنازلنا ،

أجد فمى ينطق أخبرها ..

كم هذا مشهد يعيد لى بعض الذكريات !

تشاركني مشاعري بابتسامة وعين شارده ..

تخبرني كم وقفت ها هنا كل ليله طويلاً في قلق ...

تنتظر عودتي من المدرسة ..

تراني فى كل فتاه تمر عبر شارعنا تظنني هى ..

فلا يرتاح بالها حتى أظهر و تتأكد من رجوعي بنفسها ..

حتى كبرت إلى الآن وهى مازالت تفعل ذلك ،

لم تخبرني بذلك مطلقاً من قبل !

كانت تلك أول مره تصارحني بذلك الأمر !

تأثر قلبى بشده فى تلك اللحظه حتى ترقرقت عيوني بالحنين ،

نعم هذه هى أمى .. فما يكون المرء دون أمه !

كم هى عظيمه !

هل أستطيع أن أكون أم عظيمه مثلها يوماً ما ؟

مرت الدقائق .. أخذنا الحديث فى ذلك الهواء المنعش ،

نتسامر فى حب و نسترجع بعض الذكريات ، 

كنا نضحك أحياناً نتأثر أحياناً ... الكثير من المشاعر و الاحاسيس المختلطة ،

فكم كان من الممتع تلك اللحظات التى نختلسها سويا من زحمه الأيام و الزمان ،

لعلها تصبح ذكرى نبتسم عليها معا فى يوم من الايام ،

لينقطع حديثنا على صوت جرس باب شقتنا .. 

يبدو أنه قد حان موعد وصول أبى على موعد الغداء ،

تسبقني للداخل لتستقبل والدى ،

لتتركني خلفها بعدما أخبرتني ...

ألا أنسى إغلاق شيش الشرفه من ورائي ،

لثواني ..

وقفت أتأمل تلك السماء الزرقاء و جمال طيورها المغردة... فى سكون أستشعر الهواء العليل لمره اخيره ،

ثم ألقيت الوداع .. و أغلقت الباب ،

ليخيم الستار على عنوان تلك القصة القصيرة من حياتى ..

لتصبح ذكرى جديده فى مستقبل ما .. من روايه أكتبها ،