لم أتخيل يومًا أنني سأعمل في المطعم الذي ذهبت إليه مرة مع صديقاتي للاستمتاع بوقتنا وتناول أطراف الحديث والضحك.. نفس الطاولة التي جلسنا عندها أنا اليوم أقوم بتقديم الطعام عليها لأشخاص آخرين. 

عندما عرضت صديقتي -التي تعمل في نفس المكان- الأمر عليّ لم أتردد لحظةً في قبوله لأنني أعرف أنّه قد لا تسمح لي الفرصة لاحقًا لعمل هذا، علمت أنها ستكون تجربة مختلفة.. وقد كانت. 

لماذا وظيفة النادل؟

لأنها فرصة لتعلم الكثير من دروس الحياة في وقت قصير، أتمنى ألا يخونني التعبير، ولكن المطعم ما هو إلا نموذج مصغر للحياة.. إنها مهنة تلقي بالشخص في موضعٍ يضطر فيه إلى التعامل مع الكثير من أصناف البشر بمختلف شخصياتهم والتعرض لذلك سريعًا، وعليه فإن الشخص يتعلم كيف يتفنن في التعامل مع البشر.. نعم أنا حاليًا أشير ألى أن هذه المهنة بمثابة دورة تدريبية عملية في تنمية مهارة الذكاء العاطفي.

كتب أحد الأشخاص مقالة على لينكد ان يذكر فيها أن النادل قد يبدو وكأنه يقدم الطعام فحسب، ولكن مهمته تتعدى ذلك إلى كونه مدير حسابات وممثل خدمة عملاء المكان، وواجهة معبرة عن المكان الذي يعمل فيه، والأهم أنه حلقة وصل بين الزبائن والجنود المجهولة بداخل المطبخ.

ليست سهلة!

قد يتعرض النادل للإهانة، وقد ينظر بعض الناس له نظرة سخيفة وكأنه يعمل لديهم، قال لي شابٌ من الذين خاضوا هذه التجربة: "كان العميل ينتظرني وافقًا لأسحب له الكرسي حتى يجلس، ونظر لي نظرة استنكار عندما لم أفعل، أيعتقد أنه أستأجرني؟!"

الجانب الأقسى أنهم قد يوبخونه بسبب طبق زاد فيه الملح رغم أن لا ذنب له في ذلك -على الإطلاق- لأنه ببساطة ليس هو من قام بتحضيره! 

يقول جيمس جيرمن صاحب المقالة المذكورة: "عليك أن تتحمل الجزء الأكبر من العقوبة عندما تكون شريحة اللحم ناضجة بشكل أقل أو أكثر من اللازم، وعندما لا تكون المشروبات لذيذة بما فيه الكفاية، وعندما تكون الحلوى ليست ذات مذاق جيد، أو إذا استغرقت المشروبات وقتًا طويلاً حتى يتم إيصالها إلى الزبائن، وما إلى ذلك. أنت بطبيعة الأمر لست مسؤولًا عن أيٍ من هذا، ولكن عليك أن تستمع باهتمام، وتعتذر بصدق وبغزارة، وتحاول في حدود سلطتك المحدودة تصحيح الوضع حتى يكونوا مستعدين للعودة مجددًا إلى المكان."

أما صديقتي فتقول إن أكثر الأشخاص الذين يأتون للمكان وتسعد بخدمتهم حقًا هم من يساعدونها عند جمع الأطباق من على الطاولة وكأنهم يعبرون عن رقيّهم بهذه اللفتة البسيطة. فهل أنت من هؤلاء الأشخاص؟ كيف تنظر للنادل في المطعم؟

والسؤال الأهم هل ترفض عرض العمل كنادل لو تم عرضه عليك؟