هل رفضي لفكرة ما كافٍ لإبعادي عنها؟ لا أظن هذا بعد ذلك اليوم.

صاحب الخبرة أو التجربة هو أقدرهم على منحك رأي صائب حولها، وهذا لايعني بالتحديد نجاحه في تجاوز هذه الأزمة.

مثلا كان لدي صديقة نصائحها رائعة وفعالة لأصدقائنا المتزوجين في حل مشاكلهم مع أزواجهم، وبعد فترة عرفنا خبر انفصالها، وعندما سألتها صديقة قالت لها، أن الشخص عندما يعيش التجربة يكون لديه خبرة وقدره على حلها، لكن ليس شرطا أن تساعده الظروف التي ساعدتك لحل نفس المشكلة.

لطالما ظننت أن المرء يصبح أقوى بمعتقداته، بمبادئه، بإيماناته في الحياة..فكنت أرى دوماً أننا في تغير الأشخاص من حولنا، والمواقف التي نتعرض لها في حياتنا نجد في مبادئنا وقناعاتنا مرجعاً قوياً نستند إليه.

بالطبع هذا صحيح وما حدث لهذه الفتاة ليس سببا لأن تغيري اعتقادك مطلقا، فأنتِ لم تري شيئا سوى كلام ونصائح، لم تعرفي شيئا عن تفاصيل حياتها والضغوطات التي تتعرض لها، حكمتي عليها من خلال كلام فقط لا غير وهذا غير واقعي البتة، تفعلين مثل من يرى شخصا يبتسم فيقول هذا الشخص سعيد وقد يكون ورائه شخص متؤلم.

أو رأيتِ شخصا يبكي فاستنتجتي أنه حزين وأنت لا تعرفي أنها قد تكون دموع الفرح.

الفكرة ليست في تغيير المعتقدات، وفي الوقت ذاته هي ليست ادعاء أو تظاهر بعكس القناعات .

ماحدث لها هو ما يحدث للكثيرين الذين يعانون من مشاكل يعجزون عن حلها لأنفسهم، لذلك يسعون لحل مشاكل الأخرين ليعوضوا ما يعانون في داخلهم بسبب عجزهم عن حل مشاكلهم، رغم أن ذلك ليس حلًا .

والفكرة في ذلك هي أن نظرة الشخص إلى مشاكل الأخرين تكون أكثر وضوحًا من نظرته إلى مشاكله، وذلك لأنه عندما يكون طرف في مشكلة ما يكون متأثر نفسيًا بحالته وموقفه فيها وبالتالي يؤثر ذلك على قدراته التي يمكن أن يستفاد بها في التفكير والحل .

رحمها الله وغفر لها وعفى عنها .

رحمها الله، وغفر لها، وعفى عنها...

ترى هل حقاً تتغير معتقداتنا ونجد أننا نفعل ما كنا نرفضه طوال حياتنا؟

نعم معتقداتنا كلها تتغير على مدار عمرك، أي إنسان لا يواجه الحياة بشخصية واحدة، بل بعدة شخصيات تتكون بمرور الوقت بحسب ظروفك، موافقك، مستوى نضجك، واختلاف تفكيرك، وعمرك .... إلخ.

أنجح شخصية من بين كل الشخصيات التي يعيشها الإنسان، هي الشخصية الأكثر خشونة، والأقل حساسية .. ليس لأنّها الشخصية العظيمة، بل العكس، ربما ستكون هي الشخصية الأقل إلهامًا في حياتك من بين شخصيات أخرى كثيرة كونها، وتمنى استمرارها ... وإنما لأنّها الشخصية الوحيدة التي قد تضمن لك الاستمرار مهما أخذت من ضربات مؤلمة جدًا، والإستمرارية هنا هي الشيء الوحدي الذي يقودك إلى نتائج ناجحة في الحياة حتى لو تأخرت قليلاً

بمعنى أوضح أكثر خشونة أعلى وحساسية أقل ستساعدك في تجاوز الضربة والاستمرار، ومن ثمّ البقاء حتى إكمال دورة حياتك بشكل طبيعي على الأقل .. أما إذا كانت شخصيتك هي العكس حساسية اعلى وخشونة ستجعلك تغرسين مكانك بتضخيم كل ضربة تأخذها واجترار تفاصيلها المؤلمة طول الوقت، ولو غرزت، فـ انت هالك لا محالة مهما كنت مبدع ، عبقري ، طيب ، عظيم ، مليان مواهب .. الحياة سوف تتسلى عليك حرفيًا بما أنّك تجاهلت قانون البقاء الأول فيها: الخشونة الكافية للتأقلم والاستمرار مهما كانت الظروف قاسية ومؤلمة.