الماضي هو في الأساس كيان نحن نتفاعل معه. تفاعل الإنسان يأتي على ثلاثة سلوكيات دائمًا: الهروب من الكيان، ومحاربة الكيان، والاتفاق مع الكيان. في كل حالة، سيعيش الكيان ويكبر وينمو ويدخل في كل خلية من خلايا حياتنا.

بالنسبة للماضي، إذا تم إزالة الزمن عنه ورأينا أنفسنا فيه، سنجد في النهاية أن هناك نسخة عاشت مواقف معينة بتفاعلات معينة، وقرارات معينة، ومعلومات معينة، وتم تخزينها في ذاكرة الدماغ كأفكار، وفي ذاكرة الخيال كصور، وفي ذاكرة الجسد كمشاعر. كلما تذكرت تلك النسخة، مثلاً لو كانت ضعيفة ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، سيحدث انفعالات في جسدك مثل الضغط والكبت وغيرها من المشاعر التي ستخرج إلى السطح. كردة فعل منطلقة من عدم معرفة كيفية التعامل في تلك اللحظة مع مدخلات النسخة القديمة، سيؤدي ذلك في النهاية إلى مقاومتها ومحاولة نسيانها، وهذا الهروب هو أحد تفاعلات الإنسان كما ذكرت، والتي تنقسم إلى ثلاثة سلوكيات.

عندما تظهر مدخلات النسخة القديمة، فهذا له أكثر من دلالة. أول دلالة هي أن هذه النسخة لم تمت بعد، بل هي باقية على قيد الحياة ما لم تحولها إلى شيء تنتفع به. والشيء الذي تريد أن تنتفع منه هو رسالة باطنية في "كهف" النسخة القديمة. ما عليك فعله هو التعامل التدريجي مع مشاعر تلك النسخة. وكما ذكرت، المشاعر لكي تنتهي، عليك أن تشعر بها كما هي. ولكن عليّ أن أنبهك أن المشاعر المكبوتة التي تم كبتها على مر الزمن تحمل طاقة كبيرة. من حسن حظنا كبشر أن أجسادنا واللعبة التي نعيشها لن تظهر لنا إلا قدر ما نستطيع تحمله. فهي تخرج لك بالتدرج؛ لأنه لو تذكر الإنسان كل لحظة مؤلمة دفعة واحدة، لن يستطيع التحمل أبدًا. لهذا يقوم الدماغ بحمايتك عن طريق أن ينسيك هول ما كانت تعيشه نسختك القديمة.

الآن، بعد أن ذكرت لك كل هذا، ماذا تفعل كلما تذكرت ذكرى من الماضي؟ أولًا، تعامل مع ما يظهر على السطح. وقبل كل هذا، قم بتحضير نفسك. يمكنك مثلاً التأمل حتى تكتسب وسعًا وتكون مسترخيًا لتتعامل مع ما يظهر لك من نفسك. ثم راقب أفكارك واكتبها على ورقة لترى ما يجول في مخيلتك وعالمك الفكري. بعد ذلك، انزل إلى مشاعرك وتعرف على تلك المشاعر. إذا خرج لك شعور العار، تنفس بعمق واشعر به حتى ينتهي. في هذه اللحظة، لتفريغ هذه المشاعر التي تظهر، يمكنك مثلاً لكم الوسائد أو القيام بتمارين رياضية؛ المهم هو أي طريقة للتفريغ.

بعد أن كتبت وفرغت المشاعر، حان وقت التحليل. التحليل يعتمد أساسًا على سؤال "لماذا؟" اسأل نفسك في تلك اللحظة: ما هي الفائدة من هذه الحكاية التي حدثت؟ وكما راقبت أفكارك، راقب الآن دماغك. ماذا سوف يخبرك؟ ولحسن الحظ، الدماغ يشبه "جوجل"؛ عندما تقوم بالبحث فيه، سيظهر لك روابط كثيرة. ادخل كل رابط واقرأ ما يحتويه. وإن كنت تتساءل ما هي الفائدة على مستوى المشاعر، فهي أنه عندما تقوم بتنظيف مدخلات تلك النسخة، إذا تذكرتها في المستقبل، لن تكون مشاعرك كما كانت.

ثاني شيء: الماضي مثل أفلام الخيال العلمي، وخاصة أفلام الانتقال عبر الزمن. كلما غيرت احتمالاته من داخلك، تغيّر احتمالات الحاضر والمستقبل.

ثالثًا: الشيء المشترك بين الأزمنة هو اكتشافك لجزء منك اللحظي.

رابعًا: عمليات اكتشاف كنوز الماضي لا تتوقف أبدًا، فهي في اتساع كبير.

خامسًا: الماضي نقطة قوة للوطن العربي إن تم استخدامه بشكل جيد، ونقطة ضعف إذا لم يكن الشخص قائدًا لنفسه أولًا.

سادسًا: راجع نفسك مئة مرة حول ما هي الصور الذاتية التي تتبناها عن ماضيك بكل هوياتك.

سابعًا: أنت تستطيع حذف الماضي.

---

متشوق لمشاركاتك القادمة كالعادة، وخاصة أنها بمواضيع متشابكة ومرتبطة ببعضها أيضا، وسكون لها إضافة بالتأكيد.

لقد كنت افكر قبل يوم بكتابت شي عن كيان الماضي ولقد شجعني على ذلك تعليق شخص يشارك كثيرا في مساهماتي وهذه المساهمة عبارة عن شكرا له شكرا لك لتشجعي على كتابتها وشكرا لك حقا على تفاعلاتك بكل مساهمة واقدر لك حقا انك تساهم نحو نصر فلسطين ولبنان وازدهار الوطن العربي من خلال ترجماتك

حقا شكرا لك

@Hamdy_mahmouds

------

Khadija^IjA