يتذمر منه الجميع ، يصرخ في وجهه المعلم وينعته بالمتخلف وألفاظ أخرى مهينة، ويتّهمه بالكسل والإهمال. يبذل والداه قصارى جهدهم بتعليمه، إلاّ أن تدنّي أدائه الدراسي المتكرّر يفرض عليهم استخدام العنف معه لكن دون جدوى، فيعجزون عن التعامل معه ويعتقدون بأنه فاشل ولا يصلح لشيء، يسخر منه زملائه، وتنهال عليه الإهانات والكلمات الجارحة من كل جانب.
أما هو.. فيعيش عالماً آخر، عالم يرى فيه الأحرف والأرقام بشكل مختلف عنك، فتتراقص أمامه الكلمات وتتمايل، فيعجزعن قراءتها، ويصعب عليه كتابتها. ناهيك عن الواجبات المدرسّية، فهي حِمل ثقيل عليه، فَتُنهكه (كثافتها) ولا يقوى على أدائها مهما حاول مراراً وتكراراً.. وإذا تطلّب منه استرجاع كلمة ما اعتاد سماعها عشرات المرات فإنه يُخفق في تذكرها. ويستمر على هذه الحال إلى أن يتدنّى مستواه الدراسي أكثر وأكثر، ونتيجة لذلك يُصاب بالإحباط، ويفقد ثقته بنفسه وبكل من حوله، ويشعر باليأس والعجز ويظن هو الآخر أنه فعلاً فاشل فيتوقف عن المحاولة ويستسلم ليبقى في المحصلة الضحية الوحيد على الساحة.
تخيّل أن يكون من أتحدث عنه طفل لك، فماذا سيكون شعورك؟ و كيف يمكن لطفل أن يتحمّل كل ذلك دون مد يد العون له وتفهّم مشكلته الحقيقية؟
إنه طفل الديسلكسيا.. أو المُعسِر قِرائياً..باختصار، هو عبارة عن اضطراب عصبي يعطل ويبطيء من قدرة الدِّماغ على معالجة المعلومات بشكل صحيح وعادة ماتكون أسبابه وراثية.
وكما عرّفته الجمعيّة البريطانية للديسكلسيا بشكل أدق بأنه "خليط من القدرات والصعوبات الموجودة عند الأطفال والتي تؤثر على عملية التعلم في واحدة أو أكثر من مهارات القراءة والكتابة والهجاء، وربما تكون هناك صعوبات أخرى مصاحبة ولا سيّما فيما يتعلّق بعمليات التعامل مع المعلومات، والذاكرة قصيرة الأجل، والتتابع والإدراك البصري والسمعي واللغة المنطوقة والمهارات الحركية. وللصعوبات الخاصة بعسر القراءة علاقة باستخدام وإتقان اللغة المكتوبة، وقد تظهر أيضا في الحروف الهجائية والأرقام والنوتة الموسيقية "
من الجدير بالذكر، أن إصابة الطفل بالديسلكسيا لا تعني أبداً تخلّفه أو غباءه، بل على العكس تماماً، فلديه قدرات ومواهب فذّة ويتميّز في كثير من الأحيان بخيال خِصْب وقد يفوق مستوى ذكائه الحد الطبيعي (وهناك نماذج كثيرة لشخصيات مشهورة مثل: محمد علي كلاي، كيرا نايتلي، آينشتاين،إجاتا كريستي، توم كروز ..وغيرهم كثر). كل مافي الأمر، أنه يواجه صعوبة في استيعاب المعلومات ومعالجتها، وبالتالي يحتاج لمزيد من الوقت والكثير من الرعاية والاهتمام من قبل الجهات المسئولة (المدرسة، المعلم، أولياء الأمور) واستخدام طرق وأساليب تعليمية ملائمة لاحتياجاته تركِّز بالمقام الأول على نقاط قوته، ففشله في تأدية بعض المهام شيء خارج عن إرادته وإن لم تكن البيئة المتواجد فيها مساعدة له وأخصّ بالذِّكر (المدرسة) فسوف يؤثِّر ذلك سلبًا عليه ويزيد من معاناته، ومن ثمّ يكره المدرسة وكل ما يتعلق بالدراسة ويفضّل الانسحاب نتيجة لاخفاقاته المتكرّرة فتصبح المدرسة بيئة منفرة وعبئاً ثقيلًا يصعب عليه تحمّله.
فالمدرسة بحسب رأيي تلعب الدور الرئيسي في اكتشاف المشكلة والعمل على معالجتها، لأنّ التشخيص المبكِّر مهم جدًا للحيلولة دون تفاقمها. فإن لم يكن الأهل على وعي أو معرفة بمشكلة ولدهم بالتحديد، توجَّبَ على المدرسة (المعلّم) توعيتهم لفهم المرض من أجل توفير بيئة دراسية سليمة له في المنزل.
يجدر بالإشارة هنا من أن عملية التشخيص يجب أن تتم عن طريق أخصائي نفسي، لذلك من مسؤولية وزارة التربية والتعليم توفير أخصائيين نفسيين في المدارس. بالإضافة إلى أهمية توعية المعلّمين، فالمعلّم يجب أن يكون قادراً على تمييز هؤلاء الطلاب ومعرفة احتياجاتهم وأن يكون على دِراية ومعرفة بكيفيّة التعامل مع طالب الديسلكسيا وعلى استعداد تام لمتابعته والاهتمام به وتقبّله بصدرٍ رحب بالفصل فلا يوجد فصل خالٍ من الفروقات الفردية والمعلّم الناجح هو من لديه القدرة على تلبية احتياجات كل فرد في الفصل ومن الغباء أن يتعامل المعلّم مع جميع التلاميذ بنفس الطريقة واتِّباعه أسلوباً واحداً في التدريس فكلٌ له طريقته بالتعلم.
حقيقة لا أفهم كيف يمكن أن لا يأبه المعلّم لطالب هو بأعزّ الحاجة إلى اهتمامه وتفهّمه ولا يحرص على مساعدته وتفهّم مشكلته. فلم يعد دور المدرّس مقتصراً على نقل المعلومة فقط بل تعدّى ذلك ليصبح مدرّساً ومربّياً ومرشداً وموجّهاً وميسّراً. لذلك تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة تجاه تلاميذه. وإن لم يكن المدرّس على استعداد لتحمّلها فالأفضل له أن يختار مهنة غيرها، فمن حق كل طفل أن يحظى باهتمام معلميه.
اضغط على الرابط التالي وقم بتجربة الاختبارلتعرف أكثر كيف يشعر مصاب الديسلكسيا
https://www.visualnews.com…/…/dyslexia-feel-like-site-shows
التعليقات