في عصر التكنولوجيا والسوشيال ميديا والريلز وفيديوهات التيك توك القصيرة، أصبحنا جميعًا وبالأخص الأجيال الصغيرة معتادين على تلقي كل شيء بشكل سريع ومختصر، ولا أخفي عليكم أنا حتى في بعض الأوقات أقوم بتسريع فيديو قد يصل ل ٢٠ ثانية فقط، تخيلوا وصل الحال لعدم الصبر على ٢٠ ثانية! فما بالكم من محاضرة ساعتين مثلًا، أنا أنقل لكم واقع حقيقي وعن تجربة، لكي لنفكر سويًا هل من الضروري الآن أن تتناسب وسائل الشرح وأساليبها مع الطريقة التي اعتاد الطلاب أن يفهموا بها الآن، أم من الضروري الرجوع لسابق عهدنا والتعود على الصبر والتركيز لفترات أطول بعد التخلص من إدمان الطريقة الحديثة؟
كيف نتعامل مع الأجيال الصغيرة التي اعتادت على تلقي كل المعلومات بشكل مختصر وسريع؟
للأسف سمة العصر (السرعة) ولا سبيل لجعل العالم أقل سرعة وأكثر هدوء إلا بنظام حياة يساعد على هدوئك مثل أن تقضي وقتا بعيدا عن الهاتف/ أن تحملي نفسك حملا على تحمل الفيديو في سرعته العادية/ أن تقرئي فقرة مرات متتالية/ أن تسمعي مقطعا لعدد مرات... كل هذه الأفعال المملة تعدل من عادات حياتنا السريعة
ولكن هذا لا يعني أن أساليب الشرح والتعلم الحالية مملة قليلا وايقاع سرعتها لا يتناسب مع سرعة التطور في العالم، فربما الاعتياد على السرعة هو ميزة تجعل الإنسان قادرا على الاستيعاب والتعلم بشكل أسرع، وبالتالي تعطي له فرصة ليحصل قدر أكبر من المعلومات والخبرات، ولكن أسلوب الشرح الموجه له لا يساعده على ذلك، لأن الجيل الذي يعلم يختلف كثيرا عن الجيل الذي يتعلم، ألم يحدث لك أو شهدت أنه عندما يشرح لك زميلك معلومة ما تفهمينها بشكل أسرع وأفضل مما شرحها لك المعلم أو المحاضر؟ ما السبب في ذلك من وجهة نظرك؟ في رأيي أن هذا كله متمحور حول عدم فهم المعلم للطريقة التي يعمل ويتعامل بها هذا الجيل من طلابه الصغار.
لا سبيل من وجهة نظري للتعامل مع الأجيال الجديدة صغار السن إلا بالتأقلم والتكيف مع طريقة فهمهم لخلق تواصل فعال وتحقيق نتائج ملموسة أستاذة رنا ومن ثم بالتدريج القيام بتمرير مفاهمينا إليهم ليصبح لهم نفس الثقافة التي تعلمنا بها .
ولكن كيف السبيل لذلك وكل القائمين على العملية التعليمية هم من الأجيال الكبيرة التي اعتادت على طرق وأنظمة لا تتماشى مع تطورات العصر الحالي؟ كيف من الممكن إقناع معلم أو محاضر أن طريقته الحالية لا تناسب الطلبة الصغار ولن يستطيعوا الاستفادة منها؟ مع مراعاة أن حتى محاولته هو الآخر للتجديد والتطوير قد تكون صعبة للغاية عليه، بعض الأساتذة الكبار في السن يواجهون صعوبة في التعامل مع أساسيات الحاسب الآلي مثلا، وأنا لا أقلل منهم بالطبع، ولكن هذه مشكلة حقيقية يعاني من آثارها السلبيىة الطلاب.
هذه حقيقة تتعلق بتعاقب الأجيال ، ولكن لنبدأ بالتركيز أولاً على تعليم المدرسين الجدد أليات العمل الجديدة والتطورات التابعة لها سيكون لديهم مرونة أكبر في التعلم ، ومن ثم ننتقل للشريحة المتوسطة العمر (التي سنجد فيها بعض الصعوبة) ولكنهم سيستجيبون عندما يشاهدون المدرسين الأصغر قد يتفوقوا عليهم ويتجاوزهم في المهارة ،ثم ننتقل للشريحة الأكبر سناً وهم فئتين ، فئة ستتجاوب بحكم رؤيتها أن النظام السائد هو التعامل بالأدوات الجديدة فيبدؤا بتعلمها (بالطبع سيأخذ هذا بعض الوقت بحكم الصعوبة لديهم في التعلم) ولكنهم سيتعلموا ، وفئة سترفض التعلم ولن تتجاوب بشكل كافي حينها يمكن ببساطة تحويلهم لممارسة بعض الأعمال الإدارية والمكتبية من خلال الترقية .
حل ممتاز بالفعل، وأضيف عليه صرامة تطبيق نظام تطوير مهارات المعلمين والمحاضرين بحيث يصبحون كالطلاب تحت التقييم الشامل ويحتاجون لاجتياز الاختبارات والمقابلات المطلوبة حتى يستمروا في ممارسة منتهم وفقا لمتطلبات واحتياحات هذا العصر، مع زيادة المنافسة بفتح فرص أكبر أمام الأجيال الأصغر سنا للعمل، بحيث يحلون محل كل من لن يكون قادرا على مواكبة تطورات العصر.
لا يجب مواكبتهم نهائياً ولا التفكير أصلاً بالتعامل معهم، هناك أمور لا يجب فيها السرعة نهائياً، يجب عليهم أن يصبروا بتلقيها ضمن ساعات طوال يكرسونها لتحقيق هدفهم، نراهم نفسهم هؤلاء الذين يريدون معلومات بشكل سريع جداً لا يتجاوز الدقيقة، كيف أنهم ذاتهم حين تحدث مشكلة تقنية في أجهزتهم كيف لديهم القدرة على استماع لمحاضرة هندية لأكثر من ٣ ساعات مع الإعادة لإصلاح ما يريدون إصلاحه، إذاً الموضوع كله متمحور حول الحاجة، وما دام أن الأمر متمحور حول الحاجة فلا داعي لمواكبتهم، فليطووا دوافع تسمح لهم هم في المتابعة، ربما يمكننا نحن كواعين لهذه المشكلة أن نؤطر لهم دوافعهم ونعلمهم كيفية تشكيلها لا أكثر.
ريما التوازن هو الأفضل ضياء، هناك أشياء بالفعل قد يحتاج تعملها لبطء وتأني فهي قد تكون دقيقة وحساسة كالأمور الطبية والعلمية مثلا، ولكن هناك أشياء أخرى قد لا تحتاج للإطالة والتكرار كالأمور التكنولوجية مثلا أو اللغوية مع مراعاة أن هذا الجيل متفوق بالفطرة فيما أشرت إليه، وبالتالي هو يمتلك معدل استيعاب أكبر لهذه المجالات فلن يناسبه أسلوب الشرح التقليدي الذي سيؤدي به في النهاية للملل والنفور.
لماذا نلجأ للتكيف دائماً ؟ طالب من هذا الجيل يرغب في المعلومة السريعة هل أنا ملزم على فعل ذلك ؟ أم أنه ملزم على الصبر.
في دورات تطوير فرق التطوع بعملي نلزم المتطوعين بالنجاح في الدورة والخضوع لشروطها واختباراتها وإلا يتم فصله، الأمر هنا غير متروك للنقاش وغير قابل للتغيير بداعي التكيف، أنا أقدم لك علم أو خدمة أو نصيحة أو دفعة إذا أنا من يملي الشروط ويفرض النظام.
ولو رجعنا لنظريات التعلم جميعها يحتاج إلى فهم ودراسة وتحليل وتكوين ذاكرة مرجعية أي يحتاج إلى وقت، الحب والتفاعل أيضاً يحتاج وقته والترفيه والتفكير والاسترخاء والطعام والنوم والعناية تحتاج وقت
ولكن بطريقة ما بدأ الجميع يتكيف مع السرعة فأصبحنا نستيقظ ونبدأ اليوم وكأننا نجري وثمة أحد سيقتلنا لو لحق بنا، كان لكاتب ما لا اذكر إسمه تعبير مثالي عن هذه الأزمة حيث قال " أركض كل اليوم وكأن الصياد والغزالة والغابة يركضون لقتلي"
أنا أقدم لك علم أو خدمة أو نصيحة أو دفعة إذا أنا من يملي الشروط ويفرض النظام.
أنا أختلف معك في هذا المبدأ، فهذه خدمات أساسية وليست ترفيهية، وواضع النظام هو أكثر من يحتاج لمستخدمين النظام لهذا يجب أن يعمل وفق لما يحتاجونه هم، فهم من يتأثروا النظام سلبي كان أم إيجابي ولهذا هم لديهم الحق لتقرير الطريقة التي يريدون التعلم بها، أو على الأقل المشاركة في وضع القرارات المتعلقة بها.
ولو رجعنا لنظريات التعلم جميعها يحتاج إلى فهم ودراسة وتحليل وتكوين ذاكرة مرجعية أي يحتاج إلى وقت.
السرعة لا تعني إلغاء عنصر الوقت، ولكن استهلاكه بشكل أقل وهذا شيء جيد إذا نظرنا له، لنقل مثلا أن تعلم درس ما كان يستهلك في الماضي بأساليب الشرح التقليدية القديمة ساعتين، الآن مع توفير بعض الميزات التكنولوجية وتعديل وتطوير بعض الأساليب التعليمية أصبح تعلم الدرس يأخذ ساعة واحدة فقط! هل هذه ميزة أم عيب؟
التعليقات