كيف يدبر الله أمور البشر ؟؟ ما الحكمة في أن يفقد أحدهم عمله و مصدر دخله الوحيد ؟؟
في سورة الكهف ثلاث قصص تابعها سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر .. أولها عن المساكين الذين يعملون في البحر .. الآيات تحكي القصة بإيجاز شديد .. تجعلك تعتقد أن المشكلة بدأت ثم تم حلها في دقائق معدودة ..
لكني أغلقت مصحفي و رحت أتخيل ما حدث ..
عائلة أو اثنتان .. مواردهم لا تكفيهم إلا للعيش على الكفاف و أكل وجبة و تفويت ثلاث وجبات .. يدعون الله كل ليلة أن يزيد من رزقهم .. فجأة يفقدون مصدر دخلهم الوحيد و هو السفينة ..
حتما لم يصلحوها فورا فهم لا يملكون المال .. ترى كم ليلة مرت عليهم بدون طعام ؟؟ كم شخصا سألوه أن يقرضهم المال لإصلاح السفينة فأذلهم و لم يعطهم ؟ كم سفيها عايرهم ؟؟
و لعل منهم من اضطر هو أو زوجته أو أطفاله إلى العمل بشكل مهين ليكسبوا ما يسدون به رمقهم
( حتما لم يصلحوا السفينة فورا .. لأن الله بالتأكيد قد وضع لهم العراقيل كي لا يتم إصلاح السفينة بسرعة .. فلا يأخذها الملك )
حاولوا أن تتخيلوا ابطال القصة !! هم أناس طيبون بالتأكيد .. و إلا ما كانوا قبلوا توصيل سيدنا موسى و الخضر مجانا .. و طيبون بدليل أن الله اختارهم هم بالذات كي يغنيهم فيما بعد .. تخيلوا شخصا طيب القلب .. يساعد الناس .. يعمل بجد و اجتهاد و يرفض المال الحرام و يقبل بالقليل .. هذا الشخص .. يرسل له الله من يخرب سفينته (جزاء له على توصيله مجانا ) و يحرمه من مصدر دخله الوحيد !!
يحرمه من دخله الوحيد لا ليوم أو أسبوع .. بل ربما استمروا على هذا الحال من الفقر الشديد لشهور أو سنوات (تخيل منذ آلاف السنين كم يستغرق تبادل الرسائل النارية بين الملوك من وقت حتى يقررون اشعال الحرب ثم يبدأ كل ملك في تجميع جيشه ؟؟ حتما استغرق الأمر وقتا طويلا !!) في ذلك الوقت تشعر أن الله ظالم لهؤلاء الناس الطيبون (و حاشا أن يكون .. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا )
لكنك مع تتابع الأحداث تدرك الحكمة من وراء ذلك .. اشتعلت الحرب أخيرا و جاء رجال الملك فأخذوا كل السفن و لم تتبق إلا تلك السفينة التي صغرت في أعينهم و احتقروها و هم يرونها حطاما باليا .. فتركوها .. و بهذا صار من يملكونها يملكون السفينة الوحيدة في القرية .. لابد أن الناس تسابقوا لإصلاحها و صاروا يشترون السمكة الواحدة من اولئك المساكين بمبالغ لم يكونوا ليتخيلوها :)
الحكمة اتضحت .. ما حدث كان اختبار لصبرهم .. اختبار لمن حولهم من الناس (هل سيساعدوهم أم لا ) .. مكافأة كبيرة جدا تنتظرهم في النهاية .. لكن هل كان المساكين و هم في خضم مشكلتهم و همهم و غمهم بانقطاع مصدر رزقهم .. هل كانوا يعرفون تلك الحكمة ؟؟ حين دعوا الله ذات يوم أن يوسع لهم رزقهم .. فوجدوا الله قد قطع عنهم ذلك الرزق لوقت طويل .. هل كانوا يعلمون ما سيحدث بعد ذلك ؟؟ حتما الإجابة هي : لا .. لكنهم صبروا .. و قاموا بكل ما استطاعوا القيام به للخروج من تلك المشكلة رغم كل العراقيل التي وضعها الله أمامهم .. و تركوا الباقي على الله .. فجائتهم المكافأة كأجمل ما يكون ..
التعليقات