يولدُ الإنسان جاهلًا، ومع تقدّمِ العُمر والمرور بالتجارب تزيدُ محصّلته العلمية، وفي كُل مرحلةٍ من مراحل الحياة، يجد في نفسهِ شيئًا قد تغيّر وتبدَّل بفعل ما تعلّمه وجرّبه، والقراءةُ والبحث تزيدُ من سرعة هذا التغيير.

ويومًا تلو آخر، تظهرُ أمور جديدة على الساحة، في شتّى المجالات، فمن البرمجة مثلًا أُطر العمل التي لولا عدم وجود مصدرٍ يؤكد لقلت أنه في كل يوم تخرج الآلاف من أطر العمل، منها ما يبقى على السطح وينمو، ومنها ما يموت، واللافتُ للنظر هنا، هو أن هذا التغيّر سريعٌ جدًا، ليس كالسابق، فالحياة أصبحت سريعة جدًا بشكلٍ مخيف، وأصبح الفرد منّا ملزمًا بتعلم أمورٍ جديدة كي يجد لقمة عيشه أو ليواكب الأحداث والتقنيات.

كشخصٍ مغرمٍ بالبحث والتعلم، وجدتُ نفسي بعد رحلةٍ طويلةٍ من التبحّر في العلوم، مهووسًا بتتبع كل جديد، وإن لم أكن على استيعابٍ جيدٍ له، وأيضًا بعد قراءةٍ لبعض كُتِبِ التراث، وجدت كما يقول غوته في روايته آلام فرتر ومسرحية فاوست -فيما معناه-:"الإنسانُ هو الإنسان في كل زمانٍ ومكان."

يومًا تلو آخر، وجدت أن كل هذه العلوم، يربطُ فيما بينها أفكارٌ عامة، وأن كل ما يحدث فيها، هو مجرد تطبيق لـ Techniques مختلفة للوصول إلى المطلوب، وهي تعتمد على مناهج محددة، وهذه المناهج هي ما يجعل لكل علمٍ عالمه الخاص.

حسنًا، ما الرابط بين كل الأفكار أعلاه؟

الرابطُ أنني وصلتُ إلى مرحلةٍ من التشبّع حدّ الملل -بل والاكتئاب أيضًا-، فكلما أخذت أحاول تعلم شيءٍ جديد، وجدته مملًا، وأصبح لدي اعتقادٌ راسخٌ في نفسي، أنه يكفيني منه الأفكار العامة، وحسبي من الأخذ بالتفاصيل ما يكفيني، فلستُ بحاجة إلى تعلم المزيد والتعمّق فيه إلا حينما أحتاجه، لكن هذا الاعتقاد وضعني في مواقف سيئة مع عدّة أشخاص، منهم دكاترة في الجامعات -كنت أنوي الدخول معهم في أبحاثٍ علمية-، ومنهم مدراء أعمال، حد أنني أصبحت أتحاشى أي موقف يضعني في اختبارٍ لمعرفتي، وأصبحت صامتًا غالب الوقت، حتى لا يظهر جهلي بالتفاصيل التي أعلم أني جاهلٌ بها، وأعرف أني لو احتجتها سأعرفها حينها.

وأيضًا ويا للأسف، إنني إنسانٌ لا يحسن التعبير عن أفكاره لفظًا كما الكتابة، بالإضافة إلى ذلك أعيشُ وحيدًا في غرفةٍ صغيرة، وقد تمرُّ أيام لا أتواصل فيها مع بشريّ تواصلًا اجتماعيًا طبيعيًا، فلا يكاد تواصلي مع الناس إلا بقدر ما يقضي حاجتي: كموظفّي المحلات، وما إلى ذلك، هذا الأمر وسّع الفراغ بيني وبين الناس، وجعلني أغرق في خيالي وأفكاري أكثر من اللازم حد الانفصال ونسيان أن هُناك أمورًا اجتماعية لابد أن تراعى، وأنه لابد حين الحديث أن تكون أفكاري واضحةً وأفعالي تسندُ أقوالي.

فسؤالي، ومطلبي: لو كنتَ مكاني وتمرّ بما أمر، ماذا أنت بفاعل؟، أريد أن أقرأ وجهات نظر مختلفة، لعلّي أبصرُ ضوءًا يرشدني لفرجةٍ في هذا الكهف.

والسلام.