قراءة فى كتاب الجهر بمنع البروز على شاطئ النهر
الكتاب من مؤلفات السيوطى وهو رد على سؤال هو:
وقع في هذه الأيام أن رجلا له بيت بالروضة على شاطئ النيل أصله قديم على سمت جدران بيوت الجيران الأصلية ثم أحدث فيه من بضع عشرة سنة بروز ذرعه إلى صوب البحر نحو عشرين ذراعا بالذراع الشرعي بحيث خرج عن سمت بيوت الجيران القديمة ثم أراد في هذه الأيام أن يحدث فيه بروزا ثانيا قدام ذلك البروز الأول متصلا به فحفر له أساسا ذرعه إلى صوب البحر ستة عشر ذراعا بالذراع الشرعي بحيث يصير مجموع البروزين ستة وثلاثين ذراعا واقعة في حريم النهر وأرضه التي هي عند احتراق النيل مشرع له وطريق للواردين والمارين "
وكانت الفتوى وهى الإجابة:
"فقلت له لا يحل لك ذلك باتفاق المذاهب الأربعة فشنع علي في البلد أني أفتيت بهدم بيوت الروضة وهذا كذب محض وإشاعة باطلة فإن البيوت القديمة الباقية على أصولها لا يحل التعرض لها وإنما نص الكلام في البروز الحادث وما يراد إحداثه الآن وكثير من الناس يظنون أن مذهب الشافعي: جواز البروز مطلقا وليس كذلك بل شرطه أن لا يكون في شارع ولا في حريم نهر ولا نحو ذلك مما هو مبين في كتب الفقه وقد وقع في حياة شيوخنا إن أيبك الخاصكي بنى بيتا بمصر تجاه جامع الريس وبرز فيه على شاطئ النهر فاستفتى الشيخ الإمام العلامة المحقق جلال الدين المحلى الشافعي فأفتى بمنعه من ذلك وعلله بأن شطوط الأنهار لا تملك ولا يجوز إحياؤها ولا البناء فيها وهذا هو منقول المذهب نص عليه إمامنا الشافعي رضي الله عنه وسائر أصحابه ولا نعلم في ذلك خلافا في المذهب بل ولا في بقية المذاهب الأربعة بل الأئمة وأتباعهم متفقون على هذا الحكم. وهذه نبذة من نقول الأئمة في ذلك:
ذكر نقول مذهبنا الشافعية
أن يقطعه بحال والناس فيه شرع والمسلمون كلهم شركاء في ذلك - هذا نصه في الكتابين، زاد في الأم ولو أحدث على شيء من هذا بناء قيل له حول بناءك ولا قيمة له فيما أحدث بتحويله، وقال ابن الرفعة في الكفاية الحرائم هي المواضع القريبة التي يحتاج إليها لتمام الانتفاع بها سميت بذلك لأنها يحرم التعرض لها بنوع عدوان وذلك يختلف باختلاف المحيا وذكر نحو ما تقدم عن الرافعي والنووي ثم قال وحمل الأصحاب قوله صلى الله عليه وسلم (حريم البئر أربعون ذراعا) على آبار الحجاز فإنها تكون عميقة تحتاج في المواضع التي يمر فيها الثور إلى ذلك المقدار وحريم النهر ملقى النهر للطين وما يخرج منه من التقن وهو رسابة الماء، وقال البغوي في التهذيب من حريم النهر ملقى الطين وما يخرج منه، وقال الخوارزمي في الكافي حريم النهر ما يلقى فيه الطين عند الحفر، وقال السبكي في شرح المنهاج في سنن البيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حريم البئر أربعون ذراعا من جوانبها كلها) وعن ابن المسيب حريم البئر البدئي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها وحريم العادي خمسون ذراعا من نواحيها كلها وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها، قال الزهري وسمعت الناس يقولون حريم العيون خمسمائة ذراع وعن أبي هريرة مرفوعا مثل قول ابن المسيب وعن ابن عباس حريم البئر خمسون ذراعا وحريم العين مائتا ذراع، ثم قال السبكي: والشافعي لم ير التحديد وحمل اختلاف الروايات على القدر المحتاج إليه وبهذا يقاس حريم النهر قال ومن حريم النهر ملقى طينه وما يخرج منه مما يحتاج إلى إلقائه عند حفره قال وفي كلام الأصحاب وملقى تقنه وهو ما ينحى مع الماء وسمى الرسابة"
من النقول السابقة نجد تناقضا فيما ينسب للنبى(ص) والصحابة فى حريم البئر وما بين25 ذراع إلى 40إلى 50إلى 300إلى500 إلى 200 ذراع ومن ثم فلا يوجد قول صحيح هنا
ونجد الرجل قد نقل الروايات التالية فى الموضوع :
وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حريم البئر مد رشائها)
هذه الرواية تتناقض مع روايات الأذرع السابقة فالحريم البئرى لا يقاس بالذراع وإنما يقاس بحبل البئر
ثم ذكر الرواية التالية:
" وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حريم النخلة مد جر يدها) "
والحديث لا علاقة لها بحريم البئر والنهر
ثم نقل الرجل التالى:
"قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ إذا أحيا أرضا ليغرس فيها وغرس فليس لغيره أن يغرس بجواره بحيث تلتف أغصان الغراس وبحيث تلتقي عروقها، وقال الماوردي حريم الأرض المحياة للزراعة طرقها ومفيض مائها وبيدر زرعها وما لا يستغنى عنه من مرافقها. انتهى ما في شرح المنهاج للسبكي في ضبط الحريم، وقال الغزى في أدب القضاء مسألة لا يجوز لأحد أن يبنى سكرا في النهر العام الكبير الذي ليس بمملوك لأن النهر العام كالطريق المسلوك العام ولو أراد أن يضع صخرة في طريق واسع منع منه، وفي فتاوى ابن الصلاح"
وبعد ذلك نقل الأحاديث في إثم من ظلم شيئا من الأرض فقال:
"ذكر الأحاديث الواردة في إثم من ظلم شيئا من الأرض وطريق المسلمين
أخرج البخاري عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين)
وأخرج البخاري ومسلم عن سعيد بن زيد قال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين)
وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة) "
وأخرج أحمد والطبراني عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه طوقه من سبع أرضين لا يقبل منه صرف ولا عدل)
وأخرج ابن سعد وأحمد والطبراني عن أبي مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين"
ونلاحظ أن روايات التطويق تناقض رواية الخسف فالتطويق غير الخسف فى رواية:
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه كانت بينه وبين الناس خصومة في أرض فدخل على عائشة فذكر لها ذلك فقالت يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) وأخرج البخاري عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين)
كما نلاحظ التناقض فى حفر الظالم شىء من الأرض حتى سبع أرضين فى رواية:
وأخرج أحمد وابن حبان والطبراني عن يعلي بن مرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى الله بين الناس)
والحفر ثم التطويق يناقض الحفر وحمل تراب الحفر للقيامة فى الروايات التالية:
وفي لفظ لأحمد (من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر)
وفي رواية للطبراني (من ظلم من الأرض شبرا كلف أن يحفره حتى يبلغ الماء ثم يحمله إلى المحشر)
وما سبق يناقض حمل المنتقص الشبر من سبع أرضين فى رواية:
وأخرج ابن سعد في الطبقات والطبراني عن الحكم بن الحارث السلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ من طريق المسلمين شبرا جاء به يوم القيامة يحمله من سبع أرضين
ونلاحظ تناقض الروايات ما بين الشبر والذراع حتى وصلت للحصاة فى الرواية الآتية:
وأخرج أحمد والطبراني عن أبي مسعود قال قلت يا رسول الله أي الظلم أظلم فقال (ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طوقها يوم القيامة إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الله الذي خلقها)
والخطأ هو تطويق الله للمنتقص من 7 أرضين ويخالف هذا أن التطويق الوحيد هو التطويق بالذهب والفضة أى المبخول به مصداق لقوله بسورة آل عمران "سيطوقون ما بخلوا "كما أن الأرض تبدل يوم القيامة ومن ثم لا تكون 7 أرضين مصداق لقوله تعالى بسورة إبراهيم "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات "
ثم ذكر الروايات التالية:
وأخرج البزار في سنده عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ملعون من تولى غير مواليه ملعون من ادعى إلى غير أبيه ملعون من غير علام الأرض)
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك عن علي بن أبي طالب قال هذا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من ذبح لغير الله ومن تولى لغير مواليه ولعن الله العاق لوالديه ولعن الله منتقص منار الأرض)
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله من تولى غير مواليه ولعن الله من غير تخوم الأرض)
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ملعون من غير حدود الأرض ملعون من تولى غير مواليه)
وأخرج البزار في مسنده عن أبي رافع قال وجدنا صحيفة في قراب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مكتوب فيها (بسم الله الرحمن الرحيم فرقوا بين مضاجع الغلمان والجواري بل والأخوة والأخوات لسبع سنين وأضربوا أبناؤكم على الصلاة إذا بلغوا تسعا ملعون من أدعى إلى غير قومه أو إلى غير مواليه ملعون من اقتطع شيئا من تخوم الأرض) يعني بذلك طرق المسلمين
هذا الروايات كلها تحرم أخذ شىء من الأرض أو تغيير علامات الأرض وبعض منها روايات صحيحة المعنى توافق ما جاء فى المصحف والبعض الأخر يعارضه فى المعنى ثم ذكر الروايات التالية:
"ونختم بما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله ما حق جاري قال إن مرض عدته إلى أن قال ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح
وأخرج ابن عدي في الكامل والبيهقي بسند ضعيف من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه، قال أتدري ما حق الجار إذا استعانك أعنته - إلى أن قال ولا تستطيل عليه بالبناء تحجب عنه الريح إلا بإذنه) قال البيهقي هذا شاهد للذي قبله يعتضد به."
وهى روايات صحيحة المعنى فلا يجب أذية الجار
نعود لموضوع الكتاب وهو البناء الخاص سواء كان بيتا للسكن أو غير ذلك على النهر مباشرة أو حتى داخل النهار أو البحر
بالقطع لا يجوز لأحد أن يبنى على الشاطىء مباشرة لوجود مخاطر على البناء وهى :
الخشية من غرق البيت بسبب الفيضانات والأعاصير والأمواج العاتية
الخشية من تسبب ارتفاع المياه الجوفية تحت المبنى فى سقوطه فيما بعد
انكشاف تلك البيوت للعدو مباشرة فلا يوجد من يحميها أمامها
الخشية من تأثير أملاح المياه على المبنى
وكل هذا داخل فى قوله تعالى :
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج "
أى لا يوجد أذى فى الإسلام لأحد ومن ثم يحرم بناء البيوت على الشواطىء مباشرة سواء نهر أو بحر فالشواطىء الحدودية على وجه الخصوص هى مراصد لرصد تحركات الأعداء كما قال تعالى :
"واقعدوا لهم كل مرصد"
ومن ثم فكل الحدود تدخل تحت باب الحذر من الأعداء كما قال تعالى :
"خذوا حذركم"
وأما الشواطىء داخل الدولة فيجب أن تكون أرضا زراعية لقربها من النهر ومن ثم لا يبنى عليها مباشرة إلا بناء ضرورى كمقياس الفيضانات أو الجسور وأما البحيرات أو البحار المالحة الداخلية فتترك الشواطىء فيها للصيادين ومراكبهم
وأرى وهذا ليس فيه نص حالى أن يكون البناء على الشواطىء على بعد ميل تقريبا حماية للأرض الزراعية من التجريف والتبوير وحماية للكائنات المائية من الصرف الصحى والصرف الصناعى الذى يقضى عليها أو يصيبها بالأمراض التى تنتقل فيما بعد للناس