هل تريده أشقراً أم أسمراً؟ أزرق العيون أم بنيّ العيون؟ (أتسائل إن كان بالإمكان تصميم catgirl xd).

هذه الأسئلة قد تبدو مجنونة بالطريقة نفسها التي سيبدو بها تخيّل أنّ الأجهزة الذكيّة في 2018 بحجم كف اليد ستفوق قدرات حواسيب بمساحة غرفة في منتصف القرن المُنصرم! لذا تقبّل الحقيقة، الخيال العلميّ البارحة هو علم اليوم و كذا خيال اليوم!

في الحقيقة تعبير "تصميم الكائنات" ليس تماماً صالحاً للمصطلح "خيال" لذا قبل أن تتابع قراءة المساهمة، اعلم أنّها ستُشعرك أنّك وُلدت 50 سنة مبكراً عن السنة التي كنت ستتمنى أن تكون وُلدت فيها ..

في البداية علينا أن نفهم ماهيّة الـ DNA و تأثيره، الـ DNA يمكن أنّ تفكر به ككود يحوي جميع صفاتك، طولك، لون شعرك، لون العيون .. الخ.

أي تغيير صغير في هذا الكود قد يؤدي على المدى الطويل إلى تغييرات كبيرة جدّاً على مستوى الكائن، قد تؤدي حتى إلى تحوله إلى كائن آخر تماماً، وفقاً لعلم المورثات، أنت تمتلك 200 جين مشترك مع الباكتيريا و يقترح التطور - الذي لسنا بصدد مناقشته هنا أرجوكم - أنّ التغييرات في تلك الجينات أدت في النهاية إلى نشوء كائنات جديدة بالكامل.

الهندسة الوراثيّة

الهندسة الوراثيّة على عكس ما يظن البعض، ليست تماماً علماً جديداً، العلماء كانوا يفعلونها منذ السبعينات فمثلاً تعريض بعض النباتات إلى إشعاعات راديويّة معينة كان يؤدي إلى تغييرات كبيرة على النبات، قد تكون جيّدة و قد تكون سيّئة، الأمر كان حينها محكوماً تماماً بالحظ!

في تسعينات القرن الماضي استطاع العلماء الحفاظ على حبات البندورة من التعفن عبر تعديلات معيّنة على جيناتها و الأمر نجح.

التطور الذي طرأ على هذا العلم

الفكرة الرئيسيّة كانت كما هي من السبعينات إلى الآن، تعديل بعض الجينات للحصول على تحسينات، في السبعينات كنّا "نأمل" بالتحسينات أما في التسعينات صار للعلماء سيطرة أكبر على الموضوع لكن بقي تحدٍ آخر، كما هي عادتها الاكتشافات الثوريّة تبدأ مُكلفة جدّاً لذلك تحتكرها مؤسسة أو اثنتان و ذلك للتكلفة العالية

حربٌ كنا نظنّ ألّا ناقة لنا فيها و لا جمل!

لملايين (مئات ملايين؟) السنين كانت الفيروسات و الباكتيريا يخوضون حربهم الخاصّة، الغلبة دائماً ما كانت للفيروسات لكن حينما تنتصر الباكتيريا، يكون لنا في هذه الحربِ ناقة و يكون لنا الجمل.

عندما تنتصر الباكتيريا تفعّل نظاماً دفاعيّاً مدهشاً، كما هو معلوم الفيروس في العادة يهاجم الباكتيريا جينياً و حينما تنجو الباكتيريا من هذا الهجوم تقوم بأخذ نسخة من DNA الفيروس المُهاجم و تخزينه في DNA اسمه CRISPR ( التكرارات العنقودية المتناوبة متناظمة الأبعاد - jeez).

حينما يهاجم الفيروس مرّة أخرى ستقوم الباكتيريا بنسخ نسخة من هذا الـ DNA في نسخة RNA و تقوم بتسلميه إلى بروتين اسمه CAS9 و الذي سيقوم بعمل scan كامل للباكتيريا باحثاً عن نسخ من DNA الفيروس لإزالتها و هنا تأتي ناقتنا من تلك الحرب، هذا السلاح العجيب يمكنك أن تُعطيه نسخة من أي DNA تريد تعديله و سيقوم بعمل Scan بدقة 100% و إيجاده و استبداله بما شئت!

في الواقع العلماء استطاعوا باستخدام CRISPR 1.0 فحص جسد فأر مصابة 99% من خلاياه بفيروس HIV و استطاعوا إزالة الفيروس من 50% من الخلايا!

كريسبر هو الأعجوبة التي جعلت تكلفة هذه البحوث و التجارب تهبط لأكثر من 90%! أكبر أعدائنا من الأمراض عادة تختبئ في الـ DNA لكنّ جرّاحنا الماهر CRISPR سييقضي على هذه الأمراض في غضون عقد أو اثنين من الآن بعد تطويره بشكل أكبر.

آلاف الأمراض الوراثية هي ناتجة عن بضعة أخطاء في الـ DNA الموجود في الجنين، تخيل كمّ الأخطار التي يمكن لكريسبر حماية أطفالنا منها قبل حتى أن يُولدوا! هذا طبعاً يتم بتعديل الخلايا التناسليّة التي ستنتقل لأطفالك و منهم لأحفادك و هكذا يمكنك حماية شجرة العائلة بكاملها من مرض ما فقط بالاستعانة بهذا السلاح العجيب! في الواقع 90% من الحالات التي اكتُشفت فيها متلازمة داون في أوروبا عُولجت تماماً.

تصميم الأطفال

علماء صينيّون هم من قاموا بأول المحاولات لفعل ذلك، في الواقع المحاولة الثانية قد نجحت، الخطوات الأولى طبعاً لن تكون من خلال تعديل كامل للطفل و إنما أشياء بسيطة مثل حمايته من أمراض وراثيّة أو جينيّة معينة بحيث يصبح من غير الأخلاقي ألّا تفعل ذلك لطفلك!

حُلم الأبديّة

يتشابه الإنسان مع قرود الشامبانزي جينيّاً بنسبة 98.9% و مع ذلك متوسط عمر الإنسان أكبر بكثير من متوسط عمر القرد!

إن كان الأمر كذلك و كانت مسألة عمر الخلايا جينيّة فيمكننا الاستعانة ببعض الجينات من أصدقائناً قناديل البحر مثلاً و التي تمثل الكائن الخالد الذي لا يعرف الموت، تحقيق الخلود الكامل قد لا يكون سهل التحقيق، قد يكون مستحيلاً لكنّ المعطيات تجبرك أن تكون متفائلاً أنّ هذه الخطوات ستقود إلى إضافة 50 عام على الأقل لعُمر الإنسان!

بالطبع لو توقفت المساهمة عند هنا سنتساءل عن عدم دخولنا في تلك الجنّة التي يتحدث عنها المقال، لذا فلنتحدث عن التحديّات

التحدّي الأول: المال

في الوقت الذي خفّض فيه CRISPR من التكلفة، الأمر لازال يحتاج لبيليونيير ذكيّ للاستثمار أكثر في هذا أو بعبارة أخرى:

التحدي الثاني: تغييرات غير مرغوبة

ربما تدخل طفلك لمعالجته من مرض جينيّ ما فيخرج لك من العيادة Hulk، لا أعرف كم يمكن لأن تكون خطورة التغييرات الغير مرغوبة كبير لكن دعونا نتفق أنّها في النهاية غير مرغوبة و يمكن أن تحدث حتى في ظل وجود التقنيات التي بين يدينا

التحدي الثالث: فلنتوقف عن كوننا حمقى أولاً

لا أحد يريد لدولة مثل كوريا الشمالية أو إيران لأن تمتلك جيش كامل من Captain america (overrated btw) إن وصلنا للمرحلة التي يمكننا التحكم الكامل بالعمليّة، علينا أن نتصرف كأبناء كوكب واحد أولاً، امتلاك قوى شريرة لهذه التقنيات قد يودي بنا إلى ما لا يُحمد عُقباه

التحدي الرابع: أخلاقيّ بحت

تخيل لو أنّ الغد هو موعد افتتاح أول عيادة تصميم أطفال، بديهيّاً ستكون الأسعار خياليّة و ذلك لارتفاع تكلفة الخدمة المقدمة، السعر سينخفض بالطريقة نفسها التي انخفضت أسعار الحواسيب لكن لا زال هناك فئة من الناس لا تستطيع شراء الحواسيب أليس كذلك؟ ها؟ عينك فعيني؟

سنصل لمرحلة إذاً حيث 70% من البشر مصممون بحسب الطلب، عيون زرقاء عضلات مفتولة طول مناسب و قدرات ذهنيّة عالية، في هذه الحالة ألن نصل إلى ما يشبه حالة من الرفض المجتمعي للأطفال المولودين بشكل اعتيادي؟ و هذه المرحلة سيكون هذا النوع من العنصريّة مبرراً (لا يوجد مبرر للعنصريّة لكن أقصد له أرضيّة ما) بطريقة ما على عكس عنصريّة الأسود ضد الأبيض مثلاً!

كلمة أخيرة

شأنه شأن الكثير من الأشياء التي شاهدناها و نحن أطفال، الخيال العلمي يتحول إلى حقيقة أمام عيوننا، مرّة أخرى العلم يعطينا درساً بأنّه يقتات على خيالنا، فقط امنحه الوقت و الأمل و العمل، الرحلات الفضائيّة ستكون شيئاً و الذكاء الشامل للروبوتات أيضاً، الهندسة الوراثيّة لن تكون استثناءاً

فما هي مآخذك أنت على التعديل الجيني؟ ما هي الفترة الزمنية التي تتوقع أن يتحول فيها الأمر إلى حقيقة بشكل مثالي؟

And please don't steal the catgirl thing

المصادر:

https://en.wikipedia.org/wi... https://en.wikipedia.org/wi...