يميز طه عبد الرحمن بين عنفين اثنين يمكن حصولهما في الحوار:

  1. العنف الأشد(القمع): والمقصود به إنهاء الاختلاف بين المتحاورين بالقوة. وهو على ضربين اثنين:

    1. العنف المادي: وهو الذي تستخدم فيه قوة اليد(المِقمعة) لإحاق الأذى الخَلقي بالغير.
    2. العنف المعنوي: وهو الذي تستخدم فيه قوة اللسان لإلحاق الضرر الخُلقي بالغير.
  2. العنف الأخف(الحسم): وهو فض الاختلاف بتحكيم جانب ثالث، حكمًا كان أو حاكمًا أو وسيطًا، أو باللجوء إلى الحل الوسط أو بإجراء القرعة.

يقول في العنف الأخف:

فلما كانت نهاية الاختلاف لا تأتي على يد المتنازعين نفسهما بفضل أدلتهما الخاصة، وإنما على يد طرف ثالث سواهما أو بطريق غير تدليلي، جعلهما ذلك يشعران بأنهما غير قادرين على تحمل مسؤوليتهما في رفع الاختلاف بينهما؛ وفي هذا الشعور من التأديب لهما ما هو أشبه بالتعنيف، إلا أنه، إن جاز التعبير، عنف فيه لطف.

ثم يبين أن الاختلاف في الرأي لا يندفع بالقمع حتى لو كان بواسطة الحسم، يقول:

أما الاختلاف في الرأي داخل دائرة الحوار النقدي، فلا يندفع أبدًا بواسطة القمع، بل إن ممارسة القمع قد تزيد في حدة هذا الاختلاف، حتى لا سبيل إلى الخروج منه، نظرًا لأن الطريق الموصل إلى هذا الخروج إنما هو طريق الإقناع؛ فكل واحد من المتحاورين يسعى إلى أن يقتنع الآخر برأيه اقتناعًا منبعثًا من إرادته، لا محمولًا عليه بإرادة غيره، فالإقناع والإقماع ضدان لا يجتمعان؛ كما أن الاختلاف في الرأي لا يندفع بواسطة الحسم، لأن أحد المتحاورين على الأقل قد يجد في نفسه حرجًا مما حُسم به، فلا يُسَلّم، وإنما يندفع، على العكس من ذلك، بارتفاع الحرج والإقرار بالصواب الذي ظهر على يد محاوره، وهو بالذات مقتضى «الإذعان»؛ وعلى هذا، فالحسم لا ينفع في تحصيل الإذعان الضروري للخروج من الاختلاف.

من كتاب «الحق العربي في الاختلاف الفلسفي»، صفحة ٣٣ و٣٤