عنوان هذه المقالة هو عنوان الكتاب الذي كتبه "الأمير شكيب أرسلان"

إنه سؤال طُرح منذ زمن بعيد ويُطرَح الآن بإلحاح

في هذه المقالة، سأكتفي بتلخيص جواب "الأمير" على السؤال، وحتى لا أطيل عليكم.

في جوابه على السؤال، ذكر "الأمير" الأسباب التالية لضعف وإنحطاط المسلمون في أمور دنياهم ودينهم:

الجهل : الذي يجعل فيهم من لا يميز بين الخمر والخل، فيتقبل السفسطة قضية مسلمة، ولا يعرف أن يرد عليها.

العلم الناقص : الذي هو أشد خطرا من الجهل البسيط، لأن الجاهل إذا قيض الله له مرشدا عالما أطاعه ولم يتفلسف عليه. فأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري ولا يقتنع بأنه لا يدري. وكما قيل: إبتلاؤكم بمجنون خير من إبتلاؤكم بنصف مجنون. أقول: إبتلاؤكم بجاهل خير من إبتلاؤكم بشبه عالم.( أمثلة كثيرة ستجدونها في تعاليق بعض المواضيع )

فساد الأخلاق : بفقد الفضائل التي حث عليها القرآن الكريم، والعزائم التي حمل عليها سلف هذه الأمة، وبها أدركوا ما أدركوه من الفلاح. والأخلاق في تكوين الأمم فوق المعارف. ولله در "أحمد شوقي" إذ قال:

"وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت / فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"

فساد أخلاق أمراء المسلمين : من أكبر عوامل تقهقر المسلمين فساد أخلاق أمرائهم بنوع خاص، وظن هؤلاء – إلا من رحم – أن الأمة خلقت لهم أن يفعلوا بها ما يشاؤون، وقد رسخ فيهم هذا الفكر حتى إذا حاول محاول أن يقيمهم على الجادة بطشوا به عبرة لغيره.

العلماء المتزلفون: وجاء العلماء المتزلفون لأولئك الأمراء المتقلبون في نعمائهم، الضاربون بالملاعق في حلوائهم، وأفتوا لهم بجواز قتل ذلك الناصح بحجة أنه شق عصا الطاعة، وخرج عن الجماعة. ولقد عهد الإسلام إلى العلماء بتقويم أود الأمراء. وكانوا في الدول الإسلامية الفاضلة بمثابة المجالس النيابية في هذا العصر، يسيطرون على الأمة، ويسددون خطوات الملك، ويرفعون أصواتهم عند طغيان الدولة، ويهيبون بالخليفة من بعده إلى الصواب. وهكذا تستقيم الأمور لأن أكثر أولئك العلماء كانوا متحققين بالزهد، متحلين بالورع، متخلين عن حظوظ الدنيا، لا يهمهم أغضب الملك الظالم الجبار أم رضي، فكان الخلفاء والملوك يرهبونهم ويخشون مخالفتهم، لما يعلمون من إنقياد العامة لهم، وإعتقاد الأمة إمامتهم. إلا أنه بمرور الأيام خلف من بعد هؤلاء خلف إتخذوا العلم مهنة للعيش، وجعلوا الدين مصيدة للدنيا، فسوغوا للفاسقين من الأمراء أشنع موبقاتهم، وأباحوا لهم – بإسم الدين – خرق حدود الدين. هذا والعامة المساكين مخدوعون بعظمة عمائم هؤلاء العلماء، وعلو مناصبهم، يظنون فتياهم صحيحة، وآرائهم موافقة للشريعة، والفساد بذلك يعظم، ومصالح الأمة تذهب، والإسلام يتقهقر، والعدو يعلو ويتنمر، وكل هذا إثمه في رقاب العلماء.

الجامدين : والجامد هو سبب الفقر الذي أبتلي به المسلمون، لأنه جعل الإسلام دين آخرة فقط، والحال أن الإسلام هو دين دنيا وآخرة، وإن هذه مزية له على سائر الأديان الأخرى. فلا حصر كسب الإنسان فيما يعود للحياة التي وراء هذه كما في ديانات أهل الهند والصين، ولا زهده في مال الدنيا وملكها ومجدها كتعاليم الإنجيل، ولا حصر سعيه في أمور هذه المعيشة الدنيوية كما هي مدنية أوروبا الحاضرة. والجامد هو الذي شهر الحرب على العلوم الطبيعية والرياضية والفلسفية وفنونها وصناعاتها بحجة أنها من علوم الكفار، فحرم الإسلام ثمرات هذه العلوم، وأورث ابناءه الفقر الذي هم فيه، وقص أجنحتهم. فإن العلوم الطبيعية هي العلوم الباحثة في الأرض، والأرض لا تخرج أفلاذها إلا لمن يبحث فيها، فإن كنا طول العمر لا نتكلم إلا فيما هو عائد للآخرة قالت لنا الأرض: إذهبوا توا إلى الأخرة فليس لكم نصيب مني.

ثم إننا بحصر كل مجهوداتنا في هذه العلوم الدينية والمحاضرات الأخروية، جعلنا من أنفسنا في مركز ضعيف بإزاء سائر الأمم التي توجهت إلى الأرض، وهؤلاء لم يزالوا يعلون في الأرض ونحن ننحط في الأرض، إلى أن صار الأمر كله في يدهم، وصاروا يقدرون أن يأفكونا عن نفس ديننا فضلا عن أن يملكوا علينا دنيانا، ومن ليست له دنيا فليس له دين. وليس هذا هو الذي يريده الله بنا، وهو الذي قال: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض". وقال: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة".

وأضيف، من أكبر أسباب تخلفنا أننا أمة تنظير وكلام وقلة عمل، إنظروا إلى تعليقاتنا ومواضيعنا، فلو أنجز كل واحد منا عُشر ما يرطن به لتغير حالنا.

فسهل جدا أن نُذكّر بمكارم الأخلاق وأن نحثّ الناس على فعل الخيرات وأن نطالب بالتغيير المرغوب المذهل ..

أن نقدم المواعظ البليغة ونخط ما نعده حكمة العقول ببهاء..

سهل جدا.. أن نبهر القارئ ونجذب المشاهد ونشد لنا القلوب والآذان بعبارات رنانة وشعارات براقة متلألئة،

سهل جدا أن نخطب في الوحدة وننادي الجماهير بالاصطفاف المحمود أو نشخص الأدواء ونقول هذا هو المرض المذموم ...

ولكن.. كم هو صعب امتحان التطبيق، كم هو صعب أن يكون ما نقول حقا يوافق ما نعمل به أو يحقق ما نرموا إليه..

كم هو صعب أن نقدم الحلول الناجعة والعلاجات الشافية لأمراضنا المشخَّصة ..

إنها قضية مصداقية هذا التنظير .. سواء من جانب قائله وأهليته للتنظير به، أو درجة مواءمة هذا التنظير لواقع أمة تتألم.

كم من التنظيرات تخرج في الساحة لا تسمن ولا تغني من جوع، تولد يتيمة وتقبر في مقبرة التنظير.. أتدرون لما؟!

لأن أصحابها لا يؤمنون بها حقا، لا يحملونها في قلوبهم بل على أعتاب ألسنتهم..!

ولو كانوا يؤمنون بها لكانوا أول من طبقها والتزم بها ، أول من حملها بكل جوارحه قبل كلماته.... فما كان من أتباعهم إلا فعل ذات الأمر وللامسنا ذلك الإيمان بالمبدأ ساريا في جسد عصبة من الناس، لاشك أن أثره سيمتد للغير، ولكانت بركته حلّت على أمتنا ولو على جزء منها واستبشرنا بذلك الخير..!

ولكنهم منظرون يفرغون كلمات لا يؤمنون بها ذلك الإيمان اللازم لتتفجر في واقع مرير وتحقق التغيير..

سمع رجل حديثا من الإمام مالك فقال: "ھذا الحديث ينبغي أن يكتب بماء الذھب"، فقال له مالك:"بل ينبغي أن يكتب بماء العمل".

وقبل أن ترد علي وتضيع وقتك ترصدا لأخطائي الإملائية والتعبيرية وتجهز نفسك لترد ردا تستعرض فيه عضلاتك التنظيرية، قف قليلا وتسائل هل حقا كلامك هذا نابع من فهمك وإيمانك به وإذا كان ذلك، ما الحلول الممكنة لتخلفنا وكيف تخرجها للواقع.