___________

كان المطر ينهال بشدة وكان اليوم على نهايته، وقف الباص ليصعد آخر راكب، إمرأة قد بلغت من الكبر عتيا تستطيع أن تقرأ الأيام على تجاعيد وجهها ويدها، جلست في المقعد الذي أمامي وكان الوحيد الشاغر حينذاك، وضعت ما معها من بضاعة بين قدميها وأخرجت من جيبها أوراق من العملة المحلية وأخذت تحصي محصلة اليوم، أجزم أن ماحصّلته في في يومها كله لايتجاوز المبلغ الذي انفقه في تناول الغداء، انتبهت العجوز أني انظر إليها.. رسمت ابتسامة تخبرني أنها قد أدت واجبها اليومي على أحسن وجه وغطت في سباتٍ عميق..

___________

في الطرف الآخر من العالم يهاتفني صديقٌ لي أنه قرر أن يقصد البحر لعله سيصل إلى ماوراء البحر حيث الجنة الموعودة وأن يستبدل بؤسه الذي استصحبه طول عمره بجنة الدنيا، لايهم شيئًا بعد الآن.. فارًا من الموت إلى الموت من أجل الحياة، وإن مت فسيقال أنني مت وأنا أحاول أن أصل إلى جنة الدنيا..

___________

ومن بين أصوات المدافع والقنابل العنقودية، من بين الأشلاء المتناثرة وأصوات الطائرات التي تجلب الصمم معها، من بين الحصار والدمار والخذلان.. ترى أحدهم يعيش يومه وليس حياته لأن الحياة قد تنتهي بأي لحظة هناك.. وكأنه يعيش كل الدهر، لاضير فالأمر سيانٌ لديه، إما حياةٌ من أجل الموت وإما موتٌ من أجل الحياة..

___________

كل هذه الحيوات المتوازية التي تسير مع حياتك في نفس الوقت، ألا تخبرك ياصديقي أن تضع بؤسك المؤقت الذي صدعت رؤسنا به في أقرب حاوية للنفايات وتمضي قدمًا في هذه الحياة؟؟؟