في عصرِ العولمةِ و التَّطورِ ، باتتْ الهُوِيةُ العربيَّةُ تترنَّح في مُجْتَمَعِنا أمامَ أعيُنِنا ؛ فالعاداتُ استُبدِلت و العربيةُ أُهمِلتْ ، و تَوارتْ هُوِيَتُنا بين الحداثةِ و العولمة ، فهي تشكو الضياعَ و تبحث عن جذورِها لِتجمَعَ شتاتَ عربِيَّتُها . فالهُوِيةُ العربيَّةُ لا تُقاسُ بالحديثِ عن العُروبةِ فقط ، بل بمدى تَعَلُّقِنا بجذورِنا و تاريخِنا و حضارَتِنا و لُغَتِنا وقِيمِنا وعاداتِنا ، فالَّذي يمنحُ الإنسان كرامَتِهِ و ثباتهِ و استقرارَهُ هو أصلُهُ .

تُفرَضُ الهُوِيةُ عَلينا مُنذُ لحظةِ وجودِنا في هذه الدُنيا ، حيثُ ينشأ الإنسان في مجتمع يحْمِلُ قِدرًا ممزوجًا من الطِباعِ ، و الفِكرِ ، واللُّغةِ ، و القيمِ العربيَّةِ الإسلاميَّةِ الأصليةِ .

ومِثلما يقولُ الشاعر محمود درويش في إحدى أقوالِهِ: " و الهُوِيةُ ؟ قلتُ: إنَّ الهُوِيةَ بِنتُ الوِلادةِ لكنها في النِّهايةِ إبداعُ صاحبه " .

فمنهُ ما نكتسِبُه و نحنُ في رِحْمِ أمَّهاتِنا ، و مِنهُ ما نُواصِلُ اكتِسابَهَ في دُنيانا ، فتتشكَّلَ شَخصِيَّتُنا تدريجيًا من هذه النَّكهة الفريدة ، التي تُميِّز كُلَّ فردٍ عن الآخر .

فالهُوِيةُ العربيَّة تشمل اللُّغةَ و العاداتِ و التَّقاليدَ و الفِكْرَ و الدِّينَ ، وهي الأساسُ الَّذي يُحدِّدُ انتِماءَ الفردِ و جُذورَهَ الثَّقافيَّة و الاجتِماعيَّة .

اليومَ و في عالَمِنا ، لقد تَداخَلتْ الثَّقافاتُ بِبعضِها و غيَّرت بَعضًا مِن عاداتِنا و قِيمِنا و أفكارِنا ، بِفعلِ العولمةِ و الحداثة التي فُهِمَتْ بِطَريقةٍ خاطِئة ، مِما أخذَ هُوِيَتِنا إلى دَربِ التآكُلِ و التَّشتُت .

و بِشكلٍ خاص فقد تأثرَ الشَّباب بِمواقع التواصل ، فَقَد أصْبَحوا يُقَلِّدونَ الغرب باللُّغةِ ، و الإسلوبِ ، و بالتَّصرُفِ ، و الفِكرِ ، و الطَّبعِ ، و حتى العادات و التقاليد ، مِمَّا جَعَلهُم يَتَخلونَ عن عاداتِهِم الأصْليَّة ، مُتَنحِّينَ عن إبرازِ الثَّقافةِ العربيَّةِ الأصلية .

بالإضافة إلى الثَّقافاتِ الدَّخيلة التي تَطفَّلتْ و اسْتَكنَّتْ في عُقولِ شبابِنا و هي ليستْ من أخلاقِنا و قِيَمِنا كعرب ، و تُعد هذه الظَّاهِرة من أخطر المَظاهِر التي تُهدِّد مُجتمعَنا العربيَّ الإسلاميَّ ، فهي تَسلب هُوِيَتنا العَرَبيَّة و قِيَمَنا التي ترعْرعْنا عَليها و أجدادِنا .

و من مظاهر ذلكَ أيضًا ، تسمِية أبنائِنا بأسماءِ الغرب ، إضافة إلى ذلك انتِشار التَّحدث بِغيرِ العربيَّة في الحياةِ اليوميَّة بِحجةِ إظهارِ الثَّقافة ، ، وهذا يُبعِدُنا عن لُغَتِنا و ثقافَة عرَبيَّتِنا الأصلية. ففقْدانُنا لِهُوِيَّتِنا و أصْلِنا يُشبِهُ فقدانِنا لجزءٍ مهمٍّ من ذاتِنا .

لِتثبيتِ هُوِيَتِنا العربيَّة ، يتوجَّبُ علينا التَّمسُّكُ باللُّغةِ العربيَّة ، فهي أساسُ هُوِيَتِنا العربيَّة ، و الالتِزامُ بِعاداتِنا و تقاليدِنا و قِيَمِنا التي تَربَّينا عليها ، دون أن نلهثَ وراءَ عاداتِ الغربِ التي لا تُمثِّلُنا ، كما يجب غرسُ حُبِّ الإنتِماء في الشَّباب و تربِيَتِهم على القيم و العاداتِ العربيَّة الأصلية ، وكذلك اختيارُ الأسماءِ العربيَّةِ لأطفالِنا ، و الوعي بالعَولَمَةِ و الحداثَة دون الإقلاعِ عن جُذورِنا .

فالهُوِيةُ العربيَّة ليست مُجردُ تقاليدٍ أو كلِماتٍ بل هي روحٌ تتجسَّدُ في نُفوسِنا و فِطرَتِنا . فإن فقدناها ، فقدنا قيمَتَنا و ثباتَنا أمامَ العالم .

لِذلكَ يتوجَّبُ عَلينا أن نُرسِّخَ في نُفوسِنا و أطفالِنا حُبَّ اللُّغةِ العربيَّة ، و لِنبقَ أُمَّةً عربيَّةً واحِدةً لا تسمَحُ بِتَطفُّلِ كلٌّ من الحَداثَةِ و العَولَمةِ بِلا وعْيٍ .

_ بيان _