المشهد:
ليلٌ هادئ، يجلس "العقل" على طاولةٍ من خشبٍ عتيق، أمامه مرآةٌ باهتة.
من أعماق تلك المرآة يظهر "الضمير"، صوته مزيجٌ من الحزن والنور.
العقل:
يا ضميري، أرهقني السؤال... كيف يُباع الوطن بلا حرب؟
كيف يُسلَّم مصيره بأيدينا، ونحن نظنّ أننا نحميه؟
الضمير:
يُباع الوطن يا صديقي حين ينام العقل، وحين يصبح الصمت شرفًا، والجهل أمانًا.
يُباع حين نخاف قول الحق أكثر مما نخاف ضياع الحق.
العقل:
لكن الناس يقولون إنهم يحبّون أوطانهم، يرفعون أعلامها، يرددون نشيدها...
أليس هذا حبًّا؟
الضمير:
ليس كل من أنشد الوطن قد أحبّه.
بعضهم يرفع العلم ليرفع به نفسه، لا وطنه.
الوطن لا يحتاج أغنيةً على الشفاه، بل موقفًا في الميدان، وضميرًا في القلب.
العقل:
وماذا عن الحرية؟ كثيرٌ يتغنّون بها، يطالبون بها، لكنهم يبدون عاجزين عن ممارستها.
الضمير:
لأن الحرية ليست شعارًا يُرفع، بل اختيارٌ يُؤلم.
الحرية سُلَّمٌ داخليّ، لا يصعده إلا من تحرر من خوفه.
ومن العجب أن بعض الناس يختارون العبودية ويظنونها أمانًا، كما يختار الطفل حضن القيود لأن الحرية تخيفه.
العقل:
أتقصد أن الحرية ليست خارجية؟ ليست سياسية فقط؟
الضمير:
تمامًا. الحرية تبدأ من الذات.
أن تُفكّر دون وصاية، أن تحبّ دون خوف، أن ترفض دون كراهية.
وحين تتحرر الذات، يتحرر الوطن.
العقل:
لكن البعض يقول: لا حياة إلا في ظل السيّد، ولا أمن إلا بالطاعة، ولا استقرار إلا بالصمت.
الضمير:
ذلك هو الوهم العظيم، عبوديةٌ اختاروها وسمّوها نظامًا.
من لا يعرف الحرية يظن الطغيان رحمة، والقيود نظامًا، والذل حكمة.
لقد كتب "إتيان دو لابواسييه" منذ قرون عن "العبودية المختارة"، وما زالت حكايتنا تكرّر ذاتها، لأن الإنسان ما زال يخاف أن يرى نفسه حُرًّا.
العقل:
أليس العجب أن العبيد يبحثون عن سادةٍ جدد، لا عن التحرر؟
الضمير:
بل هو قَدَر الأمم حين تفقد الوعي.
العبد لا يخاف سيده، بل يخاف أن يعيش بلا سيد.
ولهذا تُورَّث العبودية كما يُورَّث الاسم، جيلاً بعد جيل.
العقل:
وما السبيل إذًا؟ كيف نُحرّر الأوطان دون أن نسقط في فوضىٍ جديدة؟
الضمير:
ابدأ من نفسك.
علّم طفلَك أن يسأل، لا أن يطيع فقط.
احترم المختلف، ولا تلعنه.
ابنِ وطنك على وعيٍ لا على تبعية، وعلى شراكةٍ لا على خوف.
إن الحرية مسؤولية، والكرامة ثمنها الصبر، والوطن لا ينهض بالشعارات بل بالوعي الذي يصنع الفعل.
العقل:
إذن، لا وطن بلا ضمير، ولا ضمير بلا حرية.
الضمير:
ولا حرية بلا عقلٍ يختار، ولا عقل بلا وطنٍ يحتضن اختياره.
العقل:
يا ضميري، هل سنستيقظ يومًا من هذا السُبات؟
الضمير:
حين ندرك أن الخيانة ليست فقط في بيع الأرض، بل في ترك الفكر يُباع، والكرامة تُشترى، والإنسان يُستبدل بظلّه.
حين نفهم أن الدفاع عن الوطن لا يكون بالسلاح وحده، بل بالعلم، بالثقافة، وبالإيمان بأن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع من داخل الإنسان.
العقل (يبتسم):
إذن الحرية تبدأ من هنا… من داخلنا نحن، من هذه المحادثة الصغيرة بيني وبينك.
الضمير:
ومن كل إنسانٍ يصغي لصوتٍ يشبه صوتنا الآن.
فلتسمع العقول، ولتستيقظ القلوب…
فالوطن ينتظر أن نختار، لا أن نبرّر.
النهاية:
"من اختار أن يكون حرًّا لم يعد يخاف شيئًا،
ومن اختار أن يكون عبدًا لم يعد يملك شيئًا."
التعليقات