في البداية، كان ضيقًا… يضغط على خصري، يقيّد خطواتي، يذكّرني في كل لحظة أنني لا أنتمي تمامًا لما أرتديه. لم يكن مجرد سروال، بل كان إحساسًا مستمرًا بعدم الارتياح، وكأنني أعيش في مكان لا يسعني، في ظروف ليست لي، في محيط لا يشبهني.
كلما جلست، شعرت بضيق أكبر. وكلما حاولت الحركة، وجدت أنفاسي تسبقني تعبًا. قد يقول البعض: "اصبر، سيتسع مع الوقت." وآخرون يهمسون: "ربما عليك أن تنقص من وزنك، أن تغيّر شيئًا من نفسك كي يناسبك."
ومضيت في حياتي لا أعرف من الذي تغيّر فعلًا: هل أنا من فقدت بعضًا من ذاتي، من شذرات شخصيتي، من طباعي التي لم يكن لها مكان في هذا المحيط؟ أم أن المحيط هو الذي بدأ يتسع؟ هل لُيّنَ الناس قليلاً؟ أم أنني أصبحت أكثر هدوءًا، أكثر انسجامًا مع ما كنت أرفضه؟
الحقيقة أن كل علاقة، وكل بيئة، كل جماعة أو مؤسسة، هي كالسروال الجديد. إن كنت مختلفًا، ستشعر بالضيق، وستتساءل كل يوم إن كان العيب فيك أم فيهم. لكن شيئًا فشيئًا، تبدأ الحدود بالتلاشي. تأثيرنا على الآخرين يحدث، نعم، ولكن تأثيرهم علينا يحدث أيضًا، وقد يكون أعمق مما نظن.
أن تكون في بيئة ما، يعني بالضرورة أن يترك هذا المكان أثره عليك، حتى لو لم تشعر بذلك مباشرة. تنساب العادات إليك من خلال التفاصيل الصغيرة، من نبرة الصوت، من نكتة متكررة، من نظرة استغراب تُعيد التفكير في طريقتك، من تشجيع خافت أو إحباط دائم. وفي المقابل، أنت أيضًا تترك أثرًا في هذا المحيط، حتى وإن بدا بسيطًا، لكنه قد يكون بداية لتغيير كبير.
واليوم، لا أشعر بذلك الضيق القديم. أصبح سروالي على مقاسي. لكنني لا أملك إجابة قاطعة: هل اتسعت الحياة قليلاً؟ أم أنني أنا من قلّ حجمه، من تراجع جزء مني، لأصبح أكثر قابلية للاندماج؟
فهل التكيّف دائمًا انتصار؟ أم أحيانًا يكون شكلًا من أشكال التنازل؟
التعليقات