نحن نعيش في عالم تتشابك فيه النوايا، وتتداخل فيه الأقنعة، تبقى الطيبة واحدة من أسمى الصفات الإنسانية... لكن، هل تُمارَس دائمًا في وقتها؟ وهل الطيب دومًا على صواب؟

لنسأل السؤال الأهم: متى يجب أن لا تكون طيّبًا؟

الطيبة في موضع القوة لا الضعف

الطيبة لا تُقاس بلحظة ضعف، بل تُختبر في لحظة قوة. حين تكون قادرًا على الرد، على المواجهة، على اتخاذ موقف حاسم، ثم تختار الطيبة، هنا تكون الفضيلة. أما من لا يملك إلا الطيبة لأنه لا يعرف غيرها، أو لأنه لا يجرؤ على شيء سواها، فهو لا يمارس خلقًا نبيلًا، بل يهرب باسم الطيبة من قول الحق ومواجهة الخطأ.

الطيبة لمن يستحق وفيما يستحق

يقول المثل: "إذا أكرمت الكريم ملكته، وإذا أكرمت اللئيم تمرد."

الطيبة ليست واجبًا مطلقًا تجاه الجميع، بل مسؤولية تُمنح عن وعي. التسامح، التجاهل، التساهل، والحلم... كلها صفات راقية، لكنها تصبح ساذجة وخطيرة عندما تُمارس مع من لا يعرف حدودًا لأذاه.

متى نتجاهل؟

التجاهل قد يكون حلاً مؤقتًا، وقد يُطفئ نارًا مشتعلة، لكن تجاهل الأخطاء المتكررة، الإهانات المتعمدة، والخيانة الواضحة، ليس حلاً... بل غباء واضح.

  • تجاهل خيانة صديق،
  • تجاهل تقليل متكرر من قيمتك،
  • تجاهل طعنات من شريك يعلم تمامًا ما يفعل،
  • تجاهل مؤامرات تُحاك لك وأنت ترى خيوطها بوضوح...

هذا ليس حِلمًا، بل تواطؤ ضد نفسك.

وماذا عن التسامح؟

التسامح قوة، لكنه ليس واجبًا دائمًا. ليس عليك أن تسامح من لا يشعر بذنبه، أو من يُكرر أذاه، أو من يظن أن طيبتك ضعف يمكن استغلاله. سامح، نعم، لكن:

متى نسامح؟

  • عندما نلمس ندمًا حقيقيًا،
  • عندما نجد رغبة صادقة في الإصلاح والتغيير،
  • عندما لا يُصبح التسامح تكرارًا لدورة أذى لا تنتهي.

كيف نعرف ذلك؟

بأمرين:

  1. السؤال والبحث: عن تاريخ الشخص، عن تعاملاته مع غيرك، عن أثره فيمن حوله.
  2. الإثبات الفعلي: عبر اعتذار صادق، سلوك مختلف، أو حتى تعويض ملموس على قدر الخطأ.

في بعض المواقف، يكون عدم الصفح هو الطيبة الحقيقية:

  • حفاظًا على كرامتك،
  • تربيةً لمن أساء،
  • أو حمايةً لغيرك من تكرار الأذى.

من يسامح من دون وعي، ويتجاهل من دون حدود، ويمنح قلبه لكل عابر، ثم يبرر كل ذلك بالطيبة... فهو لا يمارس طيبة، بل يعيش في وهمها.

الطيبة ليست ضعفًا، لكنها تتحول إلى ذلك إن لم تُمارَس بحكمة.

كن طيّبًا، نعم... لكن لا تكن غبيًا.

فالطيبة في موضع الضعف سذاجة،

وفي موضع القوة فضيلة،

وخيرٌ إن تيقّنا أن ما يعقبها سيكون خيرًا.