ربما تكون أيها القارئ لكلماتي من الذين يسعون إلى تطوير أنفسهم وقد سمع من هذا وقرأ لهذا إلخ مما يفعله البشر، لكن يجد نفسه في الأخير غارقًا في مستنقع الفشل والتشويش والتثبيط، وهذا لعدم حصولك على زُبدة القول، لأن كل شخص يتكلم حول ذلك الموضوع يركز على منظور معين خاص به وبفِكره في إعطائه للنصائح والطرق التي تجعلك شخصًا متطورًا من وقت لآخر، وأغلب الكتّاب يحشون كلامًا في وسط مواضعهم لا يُثمن ولا يُغني من جوع، مما يتسبب في جعل القارئ يُشوش ولا يفهم الصورة كما يجب. ولهذا يا عزيزي أنا هنا لأختصر عليك المسافات والكتب والمقالات والفيديوهات وغيرها، لأُفجر لك القول الفصل في هذا الموضوع والذي يوحّد منظور الجميع ولا يختلف عليه اثنان حول الكيفية الصحيحة في تطوير الذات.
أولاً، وحتى لا تتوه بوصلتك، دعني آخذ معك الأمر بالتدرج حتى الاحتراف، ولكن ورغم كرهي لهذا الأمر، سأضطر للدخول قليلاً في حياتي حتى أجعلك ترسم صورة كاملة لهذا الأمر ولا تكون مشوشة لديك.
أحبتي، كعادة أي إنسان، ففي بداية نضوج عقلي وتفتح الآفاق حولي، ومن يومها بل ومن صغري وأنا كمصاص الدماء متعطش لمعرفة كل كبيرة وصغيرة في هذا العالم الفسيح من علومه واكتشافاته وما لم يتم اكتشافه، بل وكنت متعطشًا لمعرفة كل ما يعرفه غيري من ذوي الثقافات والأعمال. ولا شك أن ذلك كان صعبًا عليّ جدًا في البداية، كون الأمر كان معتمدًا على الكتب فقط، فكنت أستعير من هذا وذاك كتبًا لأقرأها.
لكن ما أن دخلنا عالم الإنترنت، الذي كان منبعًا أصيلاً وعميقًا لمعرفة أسرار خفايا العالم وتعلم علومه وأنت جالس في مكانك تحتسي كوب القهوة الخاص بك، فبدأت بتعلم وتنمية مهارة القراءة السريعة حتى أختصر المسافات والوقت، لأن هذا هو السبيل الوحيد مع شخص في نفس حالي، لأني شخص أحب الاطلاع ومعرفة كل شيء، وكل شاردة وواردة في كل العلوم والمعارف والطبائع والأسرار والخفايا، ولا أملُّ أبدًا من النهل من كل شيء مهما كان ذلك الشيء.
ولهذا طورت نفسي في القراءة، فضاعفت سرعتي فيها، وأصبح قراءة الكتاب معي لا يأخذ معي وقتًا طويلاً، وهذا اختصر عليّ مسافات كبيرة، وحتى أواكب العصر وأركب الموج وأسير باتجاه الرياح، انتقلت إلى سماع مقاطع الفيديو التي تحتوي على دهاليز وخفايا ومعلومات وحقائق وعلوم دسمة، واضعًا نُصب عيني حديث النبي صلوات ربي وسلامه عليه، الذي أوتي جوامع الكلم، في الحديث العظيم الذي جمع فيه منافع كثيرة في أقصر العبارات، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {احرص على ما ينفعك}، فهذا ما أحب النهل منه، وهذا على عكس كثير من الناس ممن يضيعون وقتهم في مشاهدة السخافات المنتشرة كالنار في الهشيم.
ومع ذلك، وللأسف، كان من المهم لي أن أشاهد بعضًا من تلك السخافات، بعد أن أسست لنفسي منهجًا صارمًا أقمت به صُلبي ونفسي، فكان لي درعًا حصينًا من التأثر بتلك الفتن والسخافات، ولكن كانت مشاهدتي لها من باب الاطلاع والعلم بما يجري حولي، ولزيادة الحمد على ما أنا عليه دونًا عن غيري.
فكانت مسيرتي الأولى في طلب العلوم والقراءة، هي طلب العلم الشرعي وسبر أغواره، لأنه هو الأساس الركيزة لما سأبني عليه من علوم ومعارف ومهارات أخرى، وهذا هو المنهج والنهج الذي أنصح الجميع باتباعه، حتى وإن ضاع عمرك في ذلك، ستكون الفائز عند الله عز وجل، وما دونه ليس بفوز ولا فلاح، وإنما هي نجاحات مؤقتة في دُنياك، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.
وذكرت الدين هكذا دون تحديد ملتي، وهي معروفة، لكن لأني أعلم أن هناك الكثير ممن يقرأ كلماتي الآن هو على ملة غير ملة الإسلام من النصارى والشيعة وغيرهم، وهذا الخطاب أيضًا موجه لهم، فإن كنت على ملة غير ملة الإسلام، فتعلم دينك جيدًا، وحاول أن تُحيط به من جميع الجوانب وتعمق به، عسى ربي أن يهديك سواء السبيل.
وحتى لا نطيل في هذه النقطة، فوالله ما أن بدأت بمشاهدة دروس ومحاضرات وقراءة كتب حول ديني، حتى وجدت نفسي وقد فُتح أمامي البحر الخِضم والمنبع الصافي والمنجم، الذي لم أمل لحظة من النهل منه حتى هذه اللحظة، وحتى ألقى ربي سأظل أبحث وأتعلم ديني حتى أصل إلى ربي وأعرفه حق المعرفة، فهذا هو الهدف الأثمن والأهم عندي، وبتحصيل ولو بعضًا منه، أجده وقد وفقني في كل أمرٍ وكل قولٍ وفعل، وهذا من المفترض أن يكون شأن كل مسلم.
وهنا، وخلال تلك المسيرة التي كانت شيقة جدًا لدي، بدأ عائق جديد في الظهور أمامي غير عائق القراءة، وهو أن الأسرار والعلم والمعارف بمختلف طبائعها موجودة في الفيديوهات الطويلة، التي أدنى وقتها نصف ساعة مرورًا بالساعة والساعتين فما فوق. وهذه كان لا بد لي من مشاهدتها، لأن ما تشاهدونه في المقاطع القصيرة، أحبتي، إنما هي شذرات ومقتطفات من علوم كبيرة وصورة أكبر مما تراها في المقاطع القصيرة.
فكان توجهي إلى تلك الفيديوهات والمحاضرات الطويلة جدًا، كوني أحب أن تكون عندي الصورة كاملة حول القضية أو الموضوع المطروح، فبدأت بمشاهدة الفيديوهات الطويلة التي كان حدها الأدنى نصف ساعة، ومن هذا المنطلق بدأت بوادر تلك المشكلة تظهر عندي، وهي أنني وكأي إنسان، أحبتي، كنت مع كثرة المشاهدة أملُّ من مشاهدة هذه المحاضرات الطويلة، ففكرت في حل لهذه الأزمة، بإضافة أني أملُّ لن أجد الوقت الكافي لمشاهدة الكم الذي أريده حتى أواكب العالم وأسبقه، فجربت حلاً بسيطًا ولم أتوقع أنه سيغدق عليّ فيضًا من الوقت الذي سيزيد عندي بمعدل الضعف.
وهذا الحل هو أنني بدأت بتسريع وقت الفيديو نفسه قليلًا، فبدأت بجعله 1.25 لأختصر الوقت، فوجدت أن الأمر مستساغ عندي، ثم رفعته إلى 1.50 حتى وصلت بفضل الله إلى الضعف، وهو 2x. ومع هذه السرعة المضاعفة، ومع التدريب، وخلال وقت قصير جدًا، أصبح بإمكاني بفضل الله فهم ومعرفة وتعلم كل ما يوجد في الفيديو وهو على هذه السرعة المضاعفة. فلكم أن تتخيلوا، أحبتي، أني أستطيع مشاهدة فيديو وفهمه، مدته ثلاث ساعات، في خلال ساعة ونصف فقط.
وهنا، أحبتي، درس عظيم وفائدة جليلة لمن عقلها وتشرب ما قلته وهضمه جيدًا، وهو تعلم كيف تختصر الطريق، ومن المثالين الذين ذكرتهم لكم وأردفت بهم، وهما 《مضاعفة سرعة القراءة ومضاعفة سرعة الفيديو المشاهد》، قد قلّصت الوقت وأختصرت الطريق بشكل عجيب، بل الأعمق من ذلك أني سبقت الزمن وسارعته، فما يشاهده غيري في ساعتين قد سبقته وشاهدته في ساعة، وما يقضيه غيري من قراءة كتاب ولم ينمِّ مهارة القراءة السريعة قد سبقته أيضًا وقرأته قبله.
وقس على هذا المنوال باقي أمور حياتك، وتعلم كيف تختصر الطريق للوصول لمرادك، فالأشخاص العاديون، أحبتي، وهم الفئة الأغلب من الناس، يسيرون في الطريق الذي يسير فيه الجميع ممن هم على شاكلته، ومن علامات ذلك الطريق هو وضوحه وضوح الشمس في رابعة النهار. أما الإنسان الكيّس الفطن والمبدع، تجده لا يسلك هذا الطريق الواضح، وكونه طريق واضح ستراه مزدحمًا يعج بالناس، فلا تستطيع أن تحدد فيه اتجاه، على عكس الطريق الذي يسلكه الكيّس الفطن، فتجده وقد اكتشف طريقًا مختصرًا واضح لا زحام فيه، فترى فيه كل شيء واضح صافٍ أمامك ولا يشوبه أي غبار، لأن سالكيه قِلة، فلن يتسبب شيء في التشويش عليه، بل سيجد صفاءً تامًا.
ولا شك، أحبتي، أن الطرق المختصرة موجودة في كل شيء وكل الأمور التي نمر بها، وأحيانًا يكون هناك عشرات الطرق المختصرة لطريق واحد، ومن المثالين الذين سبق وذكرتهم، أعتقد أن الرؤية لديكم أصبحت أكثر وضوحًا، وفُتحت أمامكم آفاق كثيرة، ولا شك أن الأمثلة كثيرة، ولكن حتى لا نطيل في هذا المقال نكتفي بهذا القدر، فاختصروا، أحبتي، الطرق حتى تسارعوا الزمن، فيا لها من متعة ولذّة يشعر بها من جربها.
دمتم بحفظ الله سالمين متفكرين.
التعليقات