كيف نطور أنفسنا من خلال نقد الآخرين دون أن يؤثر على ثقتنا بأنفسنا؟

الجيل الأكبر لا يفهم دائمًا الضغوط التي نواجهها اليوم كجيل شاب. الأزمات الاقتصادية، المنافسة الحادة في سوق العمل، والنقد المجتمعي المتواصل عبر منصات السوشيال ميديا، تجعل من الصعب أن نصل إلى "المثالية" التي يتصورونها. يمكن أن نقول أن هذه الفجوة بين الأجيال تجعل من السهل أن يشعر الآباء بأننا نتهرب من المسؤولية أو أن لدينا نقصًا في الوعي، حتى لو كان الواقع أن التحديات التي نواجهها اليوم تفوق ما كانوا يواجهونه.

ففي نقاشنا السابق حول الزواج، كانت نقطة مهمة تتعلق بوجود توقعات قد تكون غير واقعية من الجيل الأكبر. هؤلاء لا يرون الصورة الكاملة لحياتنا اليوم، بل يصرون على توقعاتهم دون إدراك أنهم يعيشون في عالم مختلف تمامًا.

نقد الآخرين لنا أحياناً يجعلنا نبذل قصارى جهدنا لنكون عند حسن ظنهم بنا وفي المستوى المطلوب إذا كان المنتقدون احباب ويريدون مصلحتنا....

ويعطينا ايضاً طاقة جبارة لتجاوز كل ثغراتنا وإعادة بنائها وترميمها وتطويرها إذا كان المنتقدون هم اعداءنا ففي كل الحالات نحن بحاجة إلى النقد للتنبيه والاستفاقة وأعادة ترتيب الاوراق....

لكن يجب أن نضع في عين الاعتبار ان الناس ليسوا نموذج واحد وما يبني شخص قد يهدم آخر ....

بعض الاطفال عنده ثقة كبيرة في نفسه ونقدنا له لن يفقده هذه الثقة الكبيرة بل سيزيدها وسيشحن بطاريتها أكثر..

لكن في المقابل هناك اطفال فاقدين الثقة في أنفسهم من الاساس و نقدنا لهم سيجعلهم يفقدونها بالكلية وبالتالي يجب ان تكون عندنا حكمة وتوازن في توزيع النقد ...

اكثر الآباء والأمهات وللأسف يصبحون ابنائهم ويمسونهم بالنقد والاهانات والمقارنات والتفتيش عن الأخطاء من دون مراعاة لنفسياتهم ولا لشخصياتهم ولا للآثار النفسية التي قد تترتب مستقبلاً على هذا النقد وخاصة عند تكراره والمداومة عليه فهم في نهاية المطاف بشر عندهم مشاعر وعندهم احاسيس قابلة للجرح وقابلة للكسر.

أري أن المشكلة ليست في النقد نفسه، بل في الطريقة التي نترجمه بها داخلنا. أحيانًا لا يكون تأثير كلمات الآخرين هو ما يؤذينا، بل الصوت الداخلي الذي يُعيد تكرار النقد بصيغة أقسى وأشد. تعلمت أن أراجع نفسي بعد كل نقد، لا لكي أثبت أنني مخطئة، بل لأتأكد إن كان ما قيل يعنيني فعلًا أم لا. إن وجدت فيه فائدة، أخذتها وطورتها، وإن كان مجرد تجريح، أضعه خارج حدودي النفسية. الثقة بالنفس لا تعني أن نتجاهل النقد، بل أن نمتلك القدرة على فرزه: ما يستحق التطوير نطوره، وما لا يعنينا نتركه دون أن نسقط في فخ جلد الذات.