أن تُترك في منتصف الطريق، أن تتكئ على برج من الرمال، ظنًا منك أنه سيحميك من عواصف الحياة، لكنه ينهار مع أول هبة ريح، ويتركك في مواجهة مباشرة مع قسوة الواقع.
أن تكون قادرًا على فعل الكثير، ولكنك في المقابل لا تفعل شيئًا، شلل نفسي يعوقك عن استثمار قدراتك الفعلية.
أن تمشي وتمشي، ثم تكتشف أنك ما تزال في نقطة البداية، وكأنك تدور في حلقة مفرغة لا نهاية لها ،ليست المشكلة أنك لا تتقدم ، أو انك تسير في حلقة مفرغة بل إن الطريق يصير كرمال متحركة توشك ان تبتلعك فلا يبقى لك أثر.
أن لا يساورك الشك تجاه شيء معين، بل تجاه كل شيء في آن واحد؛فقدان الثقة بالنفس والأمل بالمستقبل .
أن تغص الكلمات في حلقك ولا تجد لها مهربًا؛عجزٌ عن التعبير عن مشاعرك وأفكارك.
أن لا يجد النوم سبيلًا إلى جفنيك، كأن الأرق هو صديقك الدائم.
أن لا تعرف ما يجب عليك فعله، ضياع، تيه، فقدان للوجهة،
أن تشعر بالضجر والسأم من كل شيء، ومن العالم بأسره، دون أن تدري سببًا لذلك.
أن يقلق سكينتك ويكدر صفو حياتك نباح الكلاب في الشارع، تود لو تخنق نباحها بكلتا يديك؛ حساسية مفرطة تجاه العالم وتداعياته المؤلمة.
أن تتلاطم الأفكار والهموم في رأسك دفعة واحدة ، غير أن هذه الأفكار ليس لها معنى كما انها غير مرتبة .
أن تشعر بحنين ومشاعر جياشة تجاه شيء لا تعرف كنهه، ولا تدري ما هو، سوى أنك لا تستطيع إيقاف تدفق سيل الحنين الجارف لشيء تفتقده بشدة، ربما لنسخة قديمة من ذاتك، أو فترة زمنية من عمرك كنت فيها في تصالح تام مع نفسك، وفي وفاق مع الآخرين من حولك. تدرك أن ما تحن له لا شك كان جميلًا، لاشك له سلطان على قلبك وجميع حواسك .
أن لا تجد سببًا واضحًا ولا مبررًا واحدًا لشعورك بكل هذا الفراغ من الداخل .
ذلك هو فقدان الشغف، ذلك الشعور القاسي الذي يشبه زلزالًا داخليًا يهدم أركان الروح، ويجعلك تشعر وكأنك عالق في دوامة من اللاجدوى والفراغ.
عندما يغيب الشغف، تُصبح الحياة بلا طعم. إنّ فقدان الرغبة والطموح هو أسوأ ما قد يُصيب الإنسان في حياته، فهو بمثابة موت بطيء ينخر في الروح، ويُحوّل الحياة إلى صحراء قاحلة جرداء، ليس فيها إلا سراب خداع ، وفراغ موحش.
فما قيمة الحياة إذا فقد الإنسان شغفه، ليس تجاه شيء مُعيّن، بل تجاه الحياة بأسرها؟ ماذا يتبقى للإنسان ليعيشه بعد أن ينطفئ نور الرغبة، وتذبل أزهار الطموح؟ لا أتحدّث هنا عن ضعف الهمّة أو تراجعها، بل عن انعدامها بشكل مُطلق من حياة الإنسان.
يُصبح الإنسان عندها أشبه بجثة هائمة، لا روح فيها، لا هدف لها، لا مستقبل لها. لا يُكترث لأيّ شيء، لا يُبالي بما يدور حوله، وكأنه قد فقد بوصلة الحياة، واتّجه صوب العدم.
فهل هو الجنون إذًا؟ من يدري؟ ما الذي يجول في خاطر أولئك الذين نُسمّيهم مجانين؟ ألم يكونوا يومًا ما مثلنا، مُفعَمين بالحياة والطموح والأحلام؟ ثم فجأة، انطفأ نورهم، وذبلت أزهارهم، فلم يبقَ لهم سوى الفراغ والعبث.
فالشغف هو بمثابة الوقود الذي يُحرّكنا، ويدفعنا إلى الأمام، ويُشعِرنا بالحياة. هو النور الذي يُضيء دروبنا، ويُرشدنا نحو أهدافنا. هو الدافع الذي يُحرّك إبداعنا، ويُساعدنا على تحقيق إمكاناتنا.
فقدان الشغف هو بمثابة فقدان المعنى في الحياة، وفقدان الدافع للعيش. استيقظ من سباتك، وأوقد شعلة شغفك من جديد، لتعيش حياة مُفعمة بالمعنى والسعادة.
~ م.ج
التعليقات