نَظلمُ الحبَ كظلمنا لأنفسنا وكظلمنا للأشياء والأشخاص، فحين نردد كلمة "عيد الحب" أو نَذكر كلمة الحب مجردة في أي حديث سرعان ما يُخيَّل إلينا أنها علاقة بين حبيبين يهيمان ببعضهما في مكان هادئ وسط الورود الحمراء والبلونات المتطايرة والموسيقى الهادئة وكلمات الغزل المتبادلة والأيادي التي تعانق بعضها علناً فوق الطاولة معلنةً الاعتراف بالحب.

فنظلمه بأننا نُعرّفه دائماً على أنه علاقة بين شاب وفتاة.. رجل وامرأة.. زوج وزوجة.. حبيب وحبيبة.. جنس وجنس آخر.

وبهذا التعريف الضيق نطمس هويته ونمحي معناه ونمنعه من التعبير عن نفسه بحرية وطلاقة.

فالحب بمعناه الأشمل ودلالته الأقوى هو "طريق الخير" كما يُعرّفه أفلاطون، وهو "حياة في الحياة" كما يراه الفلاسفة.

والحب الذي نقصده ونتمنى لو أن نعززه في نفوسنا هو ذلك الحب الذي يدفعنا إلى نثر بذور الخير ودفع الضر ونصرة الضعيف ومواساة الحزين ومداواة الكليم وإعطاء المحتاج، حب يدفعنا إلى الخير ويبعدنا عن الشر، يملأ نفوسنا فيطغى على الأشياء.

 نحتاج إلى ذلك الحب الذي يجعلنا نقدر الجمال ونعيش في أجواء الكون الهادئة المتناغمة، نحتاج إلى حب يمنعنا من أن نؤذي نفساً أو نُروع حيواناً أو نعذب طائراً.

نحتاج إلى حب يدفعنا للعبادة والعمل، ويحل في قلوبنا محل الغل والحسد ويُرغمنا على حب الخير للغير ويعيننا على الحياة.

إن الحب -كما يعرفه الفلاسفة- هو أسمى عمل تقوم به الطبيعة الإنسانية، فحبذا لو اتخذنا الحب دليلاً ودرسنا أبعاده بعناية وأسكناه أنفسنا بالمحاولة واعتادنا عليه في حياتنا ومارسناه كعمل يحتاج إلى مزيد من الجهد والعناية!

ولقد سرحت قليلاً في ذات المعنى وقلتُ:

يا بائعَ الحبِّ هلاَّ جُدتَ بالفضلِ

ونَثرتَ فينا بذورَ الحبِ والخيرِ

ونزعتَ من كلِ النفوسِ شرورَها

ومَحوتَ ما بالقلبِ من وَغْرِ

أرخيتَ في كلِ العبادِ محبةً 

إنَّ السويَّ مُحبُ الخيرَ للغيرِ