عبارة تُرددها الكثير من النساء، وخصوصًا في بلداننا العربية، عبارة تختصر عليها شرح رغبتها بالحرية، عبارة تحمل في طياتها الكثير من اليأس، الكبت، والضجر، عبارة تجد بها المرأة هروبًا من واقعها.
فمُنذ القدم وحتى الآن لا زالت المرأة ترددها بين الحين والأخر، مما يجعلُنا نتساءل لماذا لا ترغب المرأة أن تكون أمرأة فحسب!! لما لا ترغب المرأة أن تكون أي شيء أخر عدا أن تكون رجلًا! ولكي نُجيب على هكذا سؤال علينا أولًا معرفة لما يتم دفعها لتكون كذلك؟ حيث أن لجوء المرأة للانسلاخ عما تكونه طبيعي، إذ أن كل الأصوات من حولها تخبرها بأن عليها أن تكون ذلك.
فعلى سبيل المثال أن أرادت المرأة القيام بشيء يُقال لها(أن كنت رجلًا أفعليها) وأن أصرت وقاتلت على شيء سيقال لها مهلًا (أتظنين نفسك رجلًا) أو سيرد على مطالبها بالجملة الشهيرة( عندما تتزوجين قومي بذلك) وبالتالي لا تخرج المرأة من قبضة الرجل ودورهُ المحوري في حياتها.
أن المرأة في مُختلف المجتمعات تتعرض لكل أنواع الاحتقار والعنصرية والتهميش أما من داخل منزلها بواسطة الأب أو الأخ، وأحيانًا بمشاركة الأم التي بدورها تمرر لها تعاستها وضعفها، وأما من المحيط الخارجي الذي يعتبرها نكرة، ويتفنن في إنتهاك حقوقها وسلب حريتها.
أن كُل تلك الممارسات التي تتلقاها النساء على أيادي أقاربهن والمجتمع جعلت منهن خانعات ومستسلمات لحقيقة كونهن بلا إرادة، ولكن هذا الأمر لم يدم للأبد إذ خُلقت نساء مُحاربات، كافحن لأجل إثبات العكس، وعلى الرغم من محاولاتهن الكثيرة لم ينجحن بتحرير المرأة بشكل نهائي وتحول الأمر إلى صراعًا بين الجنسين لم ينتهِ أبدًا.
-المرأة عبر التاريخ:
توضح دراسة التاريخ وضع المرأة ومعاناتها، حيث تناوبت الحضارات على قمع المرأة وقهرها بمختلف الطرق، بداية من دفنها حية ثم حرمانها من الدراسة والعمل والحُلم، وجعلها فقط كيان خُلق ليلبي احتياجات الرجل وشهواته، وحصر دورها في الأعمال المنزلية ،وإقصائها من كُل شيء آخر.
ففي الحضارة الإغريقية مثلًا، كانت المرأة مُحتقرة واعتبرت متاعًا للرجل،وفي الحضارة الرومانية اعتبرت كذلك سلعة رخيصة لا قيمة لها، بل كان يوضع على فمها قفلًا حديديًا لتُمنع من الكلام، وفي انجلترا كانت تُباع في الأسواق، وفي المسيحية هيَ الخطيئة وأصل الشرور، أما اليهود فأعتبروها ذليلة وخائنة وكاذبة وسلعة تنتقل من رجل إلى آخر، وبالنسبة للعرب كانت المرأة بمثابة عار، ومثلها مثل البهائم.
ولم يتوقف الأمر بل ازداد بشاعة، وانحطاط أخلاقي وفكري، حيث أن في عام 568 عقد الفرنسيون مؤتمر لدراسة "هل المرأة إنسانًا أو غير إنسان"
بالإضافة إلى كبار الفلاسفة والكُتاب ومؤسسي الثقافة الذين بدورهم أيضًا كانوا ينظرون للمرأة بإزدراء وكراهية ويصفونها بأبشع الكلمات في أعمالهم.
-هل استطاعت المرأة النجاة!
قد تظن عزيزي القارئ بأنني أُحاول إظهار المرأة كضحية خصوصًا ونحن في القرن الواحد والعشرين حيث أصبحت المرأة أكثر تحررًا، وسأُجيبك بأن هذا أمرًا مفروغًا منه ولستُ بحاجة لإظهاره، ولكن السؤال هُنا هل فعلًا تحررت المرأة من كونها ضحية؟ هل أصبحت المرأة في العصر الحالي حُرة؟ هل تخلصن النساء من رغبتهن من أن يكنن رجالًا؟ لا.
فعلى الرغم من كل مظاهر الحرية التي توصلت لها النساء وسعيهن الدائم ليكنن كيانًا مستقلًا بذاته لا زلن في داخلهن يشعرون بأنهن أقل، وليس هذا فقط، بل أن المجتمعات لا تزل تُمارس ضد المرأة ما كانت تُمارسه قديمًا ولكن بوسائل متطورة ، وتحت مُبررات مختلفة.
لا زالت هُناك نساء تقتل، ونساء يتعرضن للاغتصاب والتحرش، ونساء مقيدن بالعادات والتقاليد، ونساء تُهان وتعنف.
لا زالت المرأة ضحية ولكن ما اختلف الآن عن سابقه بأنها لم تعد فقط ضحية مجتمع ينظر إليها ككائن مختلف وأقل من الرجل بل باتت أيضًا ضحية نفسها وشريكة في الجُرم. وهذا ما يُعبر عنهُ سلوك المرأة في عصرنا الحديث.
-كيف تحولت المرأة من حملًا وديع إلى ذئب!
لقد استطاعت المرأة التخلص من المظالم وأخذ حقوقها شيئًا فشيء، وتمكنت من أن تبرهن على أنها قادرة على تحديد مصيرها، حيث نجحت في العديد من المجالات التي كانت حكرًا على الرجال بل تفوقت حتى على بعضهم، ورغمًا عن ذلك كان يُقلل من شأنها، صحيح أنها نجحت في كسب الماديات ولكن في داخلها ظلت تعاني من شعورها بالنقص ، فالجزء النفسي ظل مشبعًا بالأفكار ذاتها ، إذ تم وضعها في منافسة أبدية أمام الرجل، فلم يكن لديها خيارات، لا سيما وأن مُنذ طفولتها يقص عليها حكايات سندريلا وبياض الثلج وغيرها من القصص الذي تزرع بداخلها بأنها لن تكون شيءً بدون رجل
أن نجاح المرأة وسعادتها كان مقترنًا بالرجل ، فكُل شيء كان حولها يعزز ويغذي تلك الفكرة ولم يقف الأمر لهذا الحد، بل تم إشراك الدين أيضًا ليكون حجة في تهميشها وزعزعة مكانتها، فتم تضليلها بأن الديانات أيضًا تقلل من شأن المرأة وتعلي من مكانة الرجل، مما يجعل العاقل المؤمن يسأل أي رب هذا الذي يفرق بين عبادة حسب النوع ؟؟
لقد تشاركن النساء المُعاناة ، فمع شعورهن لقرونًا من أنهن أدنى وأقل مكانة، وتعرضهن للظلم من قبل الرجل ، انقلب السحر على الساحر ، وولدن نساء أخذن دور الذئب وأصبحن يمارسن ما كان يُمارس ضدهن ، ولذلك نجد اليوم النساء يخالفن فطرتهن ، وكثرت نسب الخيانات والطلاق ، أصبحن أقل حياءً وأكثر قوة وأفتراء، أصبحن بلا حدود وبلا قيود، فهذهِ نتيجة أعوامًا طويلة من القمع والقهر والظلم وعدم المساواة ، نتيجة غياب القيم والأحترام بين الجنسين ، نتيجة تربية غير عادلة وأفكار مُسممة، انقلبت الأدوار ومن كان ضحية بالأمس أصبح اليوم جاني .
وها هوَ الرجل المُعاصر اليوم يرى المرأة تُحطم كُل التابوهات ، يرى المرأة وهي تنسلخ عما كانت عليه ، وها نحنُ اليوم نواجه نوعين من النساء أحداهن لا زالت ترتدي رداء الأمس وتُعامل معاملة لا إنسانية والأخرى تجاوزت الخطوط الحمراء فلم ترحم لا نفسها ولا الآخرون، أما النوع الثالث من النساء فهن اللواتي يفخرن بكونهن نساء ولم يجعلهن الظلم والقهر سواء مقاتلات ولكن دون إضاعة طريقهن.
-هل أنتهت مشاكل المرأة في عصرنا الحديث !
من خلال دراسة الواقع سنجد بأن المرأة لم تستطيع تجاوز كونها ضحية بشكلٍ نهائي فعلى الرغم من كل التقدم الذي تحرزه وتحققه في حياتها، ألا أنها لا تزل تشعر بعدم الأمان، وبأنها مُعرضة دومًا للانتهاكات لا سيما وكونها تعيش في بيئة تستبيح حياتها مُقارنة بالرجل، فهي تشعر بالتهديد والخطر المتواصل، تشعر بأن عليها دومًا إثبات ذاتها، فهي في حالة دفاع وصدام مُستمر.
أن مشكلة المرأة الحقيقية ليست في حرمانها من تقليد وظيفة/ منصبًا ما، وليست في حرمانها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي، بل الأمر أعمق من ذلك، أنهُ في شعورها اتجاه نفسها، ذلك الشعور الذي سكبتموه بداخلها عبر حليب الأم. الشعور الذي يجعلها تظن بأنها مهما فعلت لن تكون يومًا كافية
لم يكن النساء يريدون ن سواء أن يكن نساء
ولكن ها هن اليوم أصبحن كُل شيء عدا أنفسهن
التعليقات