خلال روايته الخيالية يوتوبيا(Utopia-1516) قام توماس مور برسم صورة للمجتمع المثالي الذي يتمناه، وذلك عن طريق توجيه انتقاد غير مباشر لحال مجتمعه الإنجليزي آنذاك، وهي ذاتها الطريقة المتَّبعة بمعظم الأعمال التي حاولت تصور مجتمعات مثالية عبر التاريخ، بداية من أفلاطون ومدينته الفاضلة، وحتى هكسلي وعالمه الجديد الشجاع، وبينهما عشرات المحاولات المماثلة..

وبشكل أساسي تعتبر يوتوبيا مور تمثُّلا لمبادئ النزعة الإنسانية، التي سادت خلال عصر النهضة الأوروبية؛ إذ قام بوضع مجموعة من المعايير الإجتماعية يتم تطبيقها بجزيرته اليوتوبية، ومن أبرزها:

المساواة بين جميع المواطنين، العدل وسيادة القانون، مشاركة كافة الموارد المتاحة وتوزيعها بالتساوي، إتخاذ القرارات باستخدام شكل من أشكال إجماع الآراء أو التصويت المباشر، وعدم السماح بالتمييز العنصري في أي شكل من أشكاله،..

والمفارقة هنا أن مور نفسه لم يستطع التحرر الكامل من خلفيته الثقافية الإنجليزية الأرستقراطية؛ فنجده يؤكد على وجود مجموعة مُستضعَفة من العبيد للقيام بالأعمال الشاقة بالمدينة المثالية، وذلك حفاظا على راحة ورفاهية مواطنيها النبلاء!

وبشكل عام الانطباع الأول الذي يحضرني بعد الإطلاع على مجموعة متنوعة من المدن الفاضلة، هو التعجب الشديد من أحوال وطبائع المجتمعات البشرية؛ فرغم كل ما لدينا من تراكمات ثقافية وعلمية ودينية، لماذا مازلنا حتى الآن بحاجة لتطبيق معظم المعايير التي اقترحها مور وغيره منذ مئات السنين!!

برأيكم ما سبب التأخر الملحوظ بالجانب التطبيقي للحضارة الإنسانية بالنسبة لجانبها التنظيري؟! وإلى مدى يمكن تكوين مجتمعا فاضلا على أرض الواقع من الأساس؟