قرأت منذ أيام تدوينة يشتكي فيها صاحبها من ضجيج أحد الأعراس الذي أقامه أحد جيرانه. و للتوضيح ففي بعض الأحياء الشعبية عندنا في المغرب هناك نوع من التسامح يبديه الجيران مع حفلات الزفاف حتى و لو أقيمت ليلا و طالت إلى ساعات مبكرة، فتكلفة كراء قاعة حفلات غالبا يكون باهضا و ليس في متناول العريس و العروس و يبقى الحل هو إقامة الحفل داخل منزل العريس أو العروس. على أيّ، لم ينسَ صاحبنا المشتكي أن يذكرَ أن صاحب الفرح هو مواطن مقيم بديار المهجر، نصبَ خيمة كبيرة و تعاقد مع متعهد حفلات و فرقة موسيقية و دعا الأحباب و الجيران و الليلة ليلتك يا "مولاي السلطان" و عندنا في المغرب هذا لقب يُطلق على العريس ليلة زفافه.

حكى صاحبنا كيف أن حفلة الزفاف استمرت طوال الليل و أن النوم خاصَمهُ و الأرق كان مُؤنِسهُ الوحيد. بدأ يُقلب رأسه على الوسادة و يدفنُ وجهه فيها دون جدوى، و تارة يغرسُ إصبعيه في أذنيه دون نتيجة، فقد كان صوتُ الموسيقى صاخبا خاصة أن "الديدجي" كان مُصِرا على تمتيع مسامع الحاضرين بأغاني خالدة للفنان المخضرم المختار البركاني (فنان شعبي مغربي)، ولك أن تتخيل ما قاسَتْهُ طبلة أذُن صاحبنا التي كادتْ أن تنفجر جراء قصفها من المواويل.

في لحظة معينة تمنى صاحبنا أن يتهوَّر "الديدجي" و يُطلق أغنية "مِسَيطرة" التي ستجعل أصدقاء العريس ينظرون لصديقهم نظرات ضاحكة غير بريئة تدفعه لتصرف غير محسوب العواقب قد يُنهي حفل الزفاف بطريقة درامية قد تتصدر "الترند" قبل شروق الشمس. تمنى أيضا لو تُمطر السماء أو يحضر مسؤولو السلطة و ينهوا الحفل.

استرسل صاحبنا المحروم من النوم في سلسلة أمانٍ شريرة قبل أن يسمع صوتا خافتا في داخله يهمس له : "للعنة عليك يا أناني! تريد أن ينتهي حفل بهيج جمعَ قلبين فرّق بينهما بحرٌ فسيح و أشواق مشتعلة طيلة سنوات من أجل ماذا؟؟ كي تُصبح يا باشا غاطّا في نومك حتى الثانية عشر زوالا ثم تذهبَ "مُعمَّشاً" كعادتِك لمقهى الحي كي تحتسي تلك القهوة الرديئة و تُثرثر مع شلة أصدقائك الذين تراهم كل يوم!! تبًّايا لك يا غبي!!"

و أضاف ذلك الصوت:" عوض أن تشكي و تبكي كان حرِيّا بك أن تكون حليما و صبورا و أن تشكر الزوج السعيد المقيم بأوروبا و تأخذ له هدية حتى و لو كانت عبارة عن طقم كؤوس شاي رديئة الجودة، لايهم!! فهو الذي أصرَّ على الحفاظ على التقاليد و تكبد كل عناء، بدءا بأثمنة شركات الطيران وصولا لدفع ثمن أماكن توقف السيارات المنتشرة أينما قام المسكين بركن سيارته. الرجل يا أخي ضحى و جاء ليحتفل مع أقربائه في وطنه الأم و ساهم في رواج اقتصادي انتعش منه بائع الدجاج و الجزار و متعهد الحفلات و بائع المجوهرات و النكافة (عندنا في المغرب هي المكلفة بتزيين العروس و كسوتها) . حتى قطط الحي ستسمتع و تسهر و تأكل من الوليمة. لكل سيستفيد من الزفاف المبارك. و فيما سنستفيد منك أنت و من نومك الهانئ؟؟ فكّر في الرواج و اقتصاد البلد فكّر في الصورة الأكبر...