جلال الدين أكبر، هل سبق وسمعت هذا الإسم من قبل؟

أبو الفتح جلالُ الدين مُحمَّد أكبر هو ثالث سلاطين الدولة الهندية المغولية وحاكم الهند في الفترة ما بين 1556م و 1605م.

كانت حياته مثل قطبيّ مغناطيس؛ مرحلتان غاية في التنافر، ونقلة من النور إلى أقصى الظلام.

بدأ حكمه كفاتحًا مسلمًا دانت له ربوع الهند جمعاء ونبت فيها زهر الإسلام واشتد عوده، ثم أنتهى به المطاف محاربًا له ومؤسسًا لدينٍ وضعيٍ جديد يُعرف بالدين الإلهي!

من خلال قراءة سريعة في سيرة هذا الإمبراطور يمكنك أن تدرك بوضوح كم انك في نعمةٍ عظيمة لأن الله قد رزقك الثبات على الإسلام ورزقك من البصيرة ما يكفي لئلا تحيد عنه! وأعانك ليكون علمك لك لا عليك!، وجعل حوادث الدهر ونازلاته سببًا للأوبة إلى رحمته الواسعة وعفوه لا التولّي عنه!

الإنسان المتباهي بعمله ومنزلته، المتعالي بعلمه، أو المتكبر بفهمه، أو المتفاخر بعقله أحمق! والله أحمق فلولا فضل الله عليك ما كنت لتدرك أو تفقه من أمرك شيئا.

من عجائب هذا الزمان أن تري صاحب المكانة المرموقة يحتقر من هم أدنى منه مكانة. ويُقاس الناس على قدر وظائفهم متناسين أننا إنما خُلقنا لنكمل نقص بعضنا البعض وان فساد المجتمع يكون في فقدان إحدى حلقاته!.

وترى بعض الملتزمين يتباهون بإلتزامهم ويسخرون من الأقل منهم إلتزامًا بدلًا من تقديم النصح أولاً والدعاء لهم بالهداية.

بعض مدعي الثقافة تراهم يستحقرون عقليات غيرهم، يضنّون بعلمهم ويتكبرون به، الأوساط الثقافية أصبحت بمثابة ساحة للتنافس والتباهي والسخرية.

المغبون الأكبر بينهم جميعًا هو من يُقدس عقله بحيث يرى الجميع مخطئون ويأخذ على عاتقه توزيع الأحكام والإصلاح والنقد بغير علم!

الشيء الوحيد المشترك بين هؤلاء جميعًا هو «قَالَ إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِیۤۚ»!

كثيرًا ما صرنا ننسى فضل الله علينا بأن وفّقنا إلى ما نحن فيه، بل ونتكبر متجاهلين حقيقة أن اعتياد تلك النعم ونسيان شكرها هو نذيرُ زوالها.

لم يرزقك الله المنصب والمكانة أو الوظيفة لتذل خلقه بل إستأمنك على ثغر من ثغور الأمة وإن لِتَضْييع الأمانة عاقبٌة وخيمة.

لم يجعل لك جاهًا ومالًا لتفسد في الأرض؛ بل لتكون سببًا وطريقًا للخير. فهو مال الله ولو شاء لم يعطك فضًلا عن بقية خلقه، ولكنه إبتلاء لينظر هل ستُفسد فيُخَلِّيك ونفسك أم ستُصلِح فتكون أداة من ادوات الحق والعدل

لم يهدك الله طريقه السويّ لتستعلي على من يحاول الوصول لهدايته، بل لتكون سببًا في نشر الخير، نموذجًا يُحتذى به عن دينك السويّ، وآمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، فبشّر ولا تنفّر.

لم يؤتك الله ما أتاك من العلم لتتباهى بل هو حجةٌ عليك إن لم تطبقه وإن استعملته بطريق لا يرضي الله، ألم تسمع قول عائشة رضي الله عنها حين قالت: يا بني ، فبِما تستكثر من حجج الله علينا وعليك؟ !!

ألم تسمع قولهم حين قالوا:« مسكين من كان علمه حجيجه ولسانه خصيمه وفهمه القاطع بعذره»،«كلما أزددت علماً كانت الحجة عليك أوكد.»؟

قيل لبعضهم: ألا تطلب العلم؟ فقال: خصومي من العلم كثير فلا أزداد.

لو أدركت هذا جيدًا لبكيت من عظم الخطر الذي أنت فيه ولتمنيت مكان الجاهل الذي تسخر من سوأله لك.

فيا عبد الله لو كان المنصب والجاه والعقل والعلم ينفع وحده لكان نفع من طريق أقرب جلال الدين أكبر حيث كان له من الجاه والسلطان الشئ الكثير وكان له من العلم وحسن العقل والنبوغ ما يكفي ليناظر النصارى والمجوس واليهود ويغلبهم رغم أنه نشأ أميًا!، ولكنه التوفيق والثبات من الله فلا تنس الشكر وتذكر أن تلك الأمور وهبت لك لتسد ثغر ولتؤدي رسالة فتكون حجةً لك، فإن استكبرت كانت عليك.