عُرضت عليّ دعوى عندما كنت قاضياً في المحكمة الابتدائية بالسيب بسلطنة عمان، كانت حولَ بيع منزلٍ يطالبُ المدعي بما يتضمّنُ خيارَ الرؤية؛ إذ يدّعي بأنّ لم يرَ المنزل من الداخلِ، ثم نقد عليه بعض الأمور لاحقاً، وكانَ قد أجّر المنزلَ بعدَ شرائه، فكان الحكم - بفضل الله تعالى - نتاج بحثٍ في استحقاق خيارِ الرؤية مع تأجير المشتري للمبيع، والخلاصة أنّه من المقرّر فقها أنّ "مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَرَهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ حَتَّى يَرَاهُ فَإِذَا رَآهُ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَيُقَالُ لِهَذَا الْخِيَارِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِن كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ قَدْ عَرَّفَهُ الْبَائعُ بِالْوَصْفِ أَوْ التَّعْرِيفِ أَوْ الْإِشَارَةِ إلَى مَكَانِهِ الْخَاصِّ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِيهِ حَتَّى يَرَاهُ، وَيَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَا تَوْقِيتٍ وَيَمْنَعُ لُزُومَ الْمِلْكِ، فَهُوَ لَيْسَ مُؤَقَّتًا بِمُدَّةٍ فَإِذَا لَمْ تَقَعْ الْأَسْبَابُ الْمُبْطِلَةُ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَقِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ الْمُشْتَرِي فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ النَّصَّ الَّذِي أَثْبَتَ هَذَا الْخِيَارَ مُطْلَقٌ، وَثُبُوتُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مُعَلَّقٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَحَقُّقِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، إلّا إِنْ صَدَرَ مِنْ المُشْترِي مَا يُسقِطُ خِيارَهُ بأن قبل المبيع، وقَبُولَ الْمَبِيعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالتَّصْرِيحِ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ قَدْ رَضِيتُ بِهِ أَوْ أَجَزْتُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الرِّضَا وَالْقَبُولِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً كَأَنْ يَقْبِضَهُ أَوْ رَسُولُهُ أَوْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ يَعْرِضَ بَعْضَهُ لِلْبَيْعِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ، كَمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ يُسْقِطُ خِيَارَ رُؤْيَتِهِ وَكَذَلِكَ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ يُثْبِتُ حَقَّ الْغَيْرِ يُسْقِطُ خِيَارَ رُؤْيَتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَمْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا جَازَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَلكَ كَمَا إِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مَالًا بِدُونِ أَنْ يَرَاهُ بِبَيْعٍ مُطْلَقٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا، ثُمَّ بَاعَ ذَلِكَ الْمَالَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ دُونَ أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَسَلَّمَهُ قَبْلَ أَنْ رَآهُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْقُطُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ حَتَّى لَوْ رَدَّ إلَيْهِ الْمَبِيعَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ أَوْ فَكَّ الرَّهْنَ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلَا يَعُودُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ" (ينظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر 1/268-280)، كما أنّه من المقرّر فقها وقضاء أنّ الإقرار هو إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر، وهو حجة على المقرّ إن صدر من كامل الأهلية مختارا غير متهم في إقراره لقوله تعالى: (ياأيُّها الذين ءامنوا كونوا قوَّامين بالقسطِ شهداءَ لله ولو على أنفسكم) قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه هي الإقرار، فلما كان ذلك وكان المشتري (المدعي) قد أقرّ بأنّه اشترى المنزل وقام بإجراءات نقل ملكيّته إليه، وأنّه غيّر عقود الإيجار من اسم المالك السابق (المدعى عليه الثاني) إلى اسمه، ما يعني أنّه أجّر المنزل بإرادة منه، وهو بهذا متصرّف في منزله تصرّف المُـلاك، ومتصرّف فيه تصرُّفا يُثبت حقّ الغير فيه، فهو يُثبت للمستأجرين حقّ المنفعة بالسكنى فيه، وهذا كما تقرّر فقها مسقِطٌ لخيار الرؤية سواء قبل الرؤية أم بعدها، فلا داعي للبحث في أمر رؤية المدعي للمنزل من الداخل وعدم رؤيته، وإن كان الأمر موضع خلاف بين المدّعي والمدعى عليهما، وعليه تقضي المحكمة بعدم ثبوت خيار الرؤية للمشتري (المدّعي)، ولما كان ذلك وكان المدعي أقام دعواه من التخيير بين ردّه المبيع وأخذ الثمن أو تغيير المنقود في المنزل قائم على ثبوت الخيار، ولم يثبت له ذلك فقضت المحكمة برفض الدعوى. 

ولا ينال من الحكم بذلك أنّ المدعى عليه الأول هو القائم بتأجير المنزل؛ إذ هو سابقا الوسيط بين المدعي والمدعى عليه الثاني في بيع المنزل، ثمّ صار وكيل المدعي في القيام بأمور الإيجار من استلام المبالغ ونحوها، إلا أنّ المدعي هو المالك وهو الذي وقّع على عقود الإيجار كما يبين من عقود الإيجار المقدّمة ذوات الأرقام 659370 و659371 و659372 و 659373، فهو المؤجّر حقيقة وهو المتصرّف في ملكه. 

وللعلم بأنّ هذا الحكم كانَ قبلَ صدور قانون المعاملات المدنية، وهو قد جرى وفق المادة (142) منه على نحو ما سبق تقريره، فنص على أنّه يسقط حق خيار الرؤية بتصرف من له الخيار في المعقود عليه تصرفاً لا يحتمل الفسخ أو تصرفاً يوجب حقاً للغير. 

https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details/460e867c-40db-4484-806c-dd384ca995b6?t=%D8%AD%D9%82-%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B3%D9%82%D8%B7-%D8%A8%D8%AA%D8%A3%D8%AC%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87