الإفشاء عن الإصابة بالإكتئاب، هل يشكل خطراً على المريض النفسي أم أنه السبيل للعلاج؟

من بين النصائح الكثيرة التي تقوم بإعطائها منظّمة الصحة العالمية عن الطريقة التي يجب فيها أن نتعامل مع المكتئب ك مثلاً:

• ضرورة الجلوس مع مريض الاكتئاب والاستماع له
• البقاء على تواصل مع مريض الاكتئاب بشكل مستمر،
• إظهار الدعم لمريض الاكتئاب والتأكيد على أن الاكتئاب حالة مرضية وليست بسبب ضعف الشخص
• إبداء استعدادك لمساعدة ودعم مريض الاكتئاب
• عدم الضغط على مريض الاكتئاب لتخطي مشكلاته
• تجنب إشعار مريض الاكتئاب بأن مرضه يشكل عبء على عائلته
• عدم توجيه مريض الاكتئاب

من كل هذا تشعر من كلام المنظّمة أنّ الأمر في غاية الحساسية ومن الصعب إدارة الأمر ولذلك برأيي هذه المنظّمة وغيرها دائماً يشجّعون على الحزانى من موضوع التنمّر بالحديث عن الأمر والخروج من هذه الدائرة ولكنّهم لا يصنعون حملات مشابهة لإنّهم ربما يعرفون بأنّ هذا قد يشكّل ضرراً على المريض وخاصة بمجتمعات لا يمكن أن تتقبل أي معتل وخاصة إن لم يكن هذا الاعتلال مرئياً.

لدي صديقات لا يخجلن من إخبار الناس بأنهم يترددون على معالجٍ نفسي، وأنهم يجدون لذلك أثرًا إيجابيًا في حياتهن، في الواقع قلت هذا لأنه أسعدني.. النظرة الحالية أيضًا للعلاج النفسي على أنه ضرورة.. علينا أن نعترف بأن النظرة اختلفت كثيرًا عن الماضي، كما أن انتشار المنصات التي توفر جلسات من أطباء ومعالجين عن بُعد قد حسنت نظرة المجتمع للمرض النفسي. بعض المؤثرين أيضًا على وسائل التواصل الاجتماعي كان لهم دور في ذلك من خلال كلامهم ووسومهم وما إلى ذلك من طرقٍ ساعدت المجتمع على فهم طبيعة الاضطراب النفسي، على الأقل وجهوا الناس إلى مفهوم جديد وهو أنه من الخطأ تعريف المضطرب نفسيًا بالجنون.

أصبح الكثيرون الآن ينظرون إلى المضطرب نفسيًا على أنه يجب التعاطف معه ومساندته، وليس زيادة اضطرابه أو جعل الأمور أسوأ بالضغط عليه.

شخصيًا أرى أننا رغم كل ذلك إننا لم نصل بعد إلى المرحلة التي يمكننا فيها الإفصاح بشكل كامل دون خوف، لكن أعتقد أننا في طريقنا إلى ذلك.

البوح قد يؤدي إلى نتائج سلبية حتى إن كان هذا البوح إلى الأهل، فإن لم يكونوا على دراية بطبيعة الألم النفسي الذي يعانيه ابنهم فإنه قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تصل في الكثير من الأحيان إلى الانتحار.

في بلدتنا شاب انتحر عن طريق (قرص سام يستخدم لتخزين الحبوب) بعد وفاة خطيبته، ظننا جميعاً أنه انتحر لفراقها ولكنه انتحر بسبب عدم تفهم أهله للاكتئاب الذي يمر به، حيث أصر والده على أن يخطب له غيرها ومع الإصرار..انتحر!

لذا لا أظن أنه من الجيد أن نجازف ونحكي لأشخاص ليس خوفاً من المجتمع بل خوفاً من العواقب، فقد لا يتفهموا ما نمر به ويزداد الوضع سوءًا وقد تكون تلك هي القشة التي قد تقسم الظهر، فالوحيد الذي تحكي له وأنت مطمئن هو الطبيب النفسي الذي سيساعدك للخروج من تلك الحالة بأسرع وقت.

بداية الإكتئاب موجود عند الجميع ولكن بنسب متفاوتة وعند زيادته عن النسب المعهودة يلجأ المرء للعزلة وعدم التحدث مع الأخرين ليصل الأمر على حوادث بشعة كرهاً فى الحياة .

وللاكتئاب عوامل كثيرة منها :

• فقدان الأمل فى الحياة .
• عدم رؤية شئ جميل أبدأ كالقمامة مثلاً فى الشارع ملقاة فى كل ركن هذا يسبب اكتئاب جزئى بدون أن نشعر .
• عدم وجود من يحب حولنا والكل يرفع شعار الأذى .
• تسارع الحياة ووتيرة العمل .
• المنافسة بضراوة فى كل مجالات الحياة .
• عوامل أخرى مثل الصدمات العاطفة .
• أحلام وهمية أو حقيقة لم يتم تحقيقها .

كل تلك العوامل وغيرها قد تؤدى للاكتئاب ولا أنصح بإخبار أحد سوى أقرب الأقربين وأن يعمل الفرد على نفسه بمحو تلك العوامل السلبية .

مجتمعاتنا العربية لا تزال لا تستوعب بالكامل ان الاكتئاب مرض نفسي مثل باقي الامراض وله علاج ولا شيء مخجل او مُهين في كون الشخص مُصاب بالاكتئاب ومن الأمهم أخذه بشكل جدّي. بشكل أولي هذا ما يجب ان يحصل ان نتقبل وجود الاكتئاب كأمر طبيعي حدوثه -أقصد أنه لا شيء مهين او مخجل وليس عار.

بالنسبة للمكتئب الأمر يعتمد على البيئة المحيطة والأهل، دعم الأهل والأصدقاء وتقبلهم له ومساعدته على العلاج قد يساعد في تحسين نفسيته وتقبله للعلاج اكثر ويزيد من نسبة التشافي، نعم قد يتعرض إلى نكسات من الغرباء لكن وجود من يدعموه ويساندون سيساعده على التخطي واستكمال العلاج. لكن وجود بيئة سامة تتعامل مع الاكتئاب أنه عار ومُخجل فالافصاح سيكون اختيار سيء ويزيد من الاكتئاب وقد يؤدي إلى حالات انتحار فعلًا.

أنا برأيي أن الشخص نفسه يجب أن يفهم ان الاكتئاب مرض كسائر الأمراض ولا شيء مُخجل وليس عار أن يكون مكتئب وأن يكون منفتح على العلاج هو الأهم، لأنه طالما مقتنع بهذا الشيء فسيكون تأثير الآخرين عليه أقل، نعم يحتاج إلى دعم ومساندة لكن في حالة عدم تلقيه هذا الدعم يستمر في العلاج ولن يتراجع للأسوأ بسبب الىخرين.

كما أننا أصبحنا نبالغ في وصف انفسنا باننا مكتئبين طوال الوقت، فهذا يجعلنا لا نفرق بين الشخص المصاب الاكتئاب فعلًا وشخص يمر بحالة حزن فقط وستمر.

في أحد المرات التي كنت اتصفح فيها وسائل التواصل الاجتماعي استوقفني منشور لشخص ما يشتكي من تنمر صديقه علي إصابته بمرض الاكتئاب عندما حدث خلاف بسيط بينهما استوقفني المنشور وتخيلت كيف أصبحت حالته بعدما فعل صديقه هذا أظن هذا موقف كافٍ لإصابته بالاكتئاب مرة مجددة يبدو أننا أمام مرضى حقيقين ليسوا فقط مرضي بل إنهم ينشرون مرضهم هنا وهناك لذا لا أجد الإفصاح عن المرض حلاً لمريض الاكتئاب بل أخشي أن يكون هذا قد يفاقم من مشكلته ويزيدها لذا يجب أن ينتبه لذاته ويحميها.