مرحباً يا أصدقاء. هل رأيتم من قبل لصاً اختطف حقيبة فتاة في مكان خال وغادرها تندب حظها؟ إن كنتم لم ترون ذلك فقد رأيته أنا بأم عينيً! نعم، رأيتها من بعيد ورآها من معي في سيارة الأجرة! غير أن الملفت للنظر أن شاباً جرى خلفه وتعارك معه وظفر بالحقيبة ولكن بعد ماذا يا تُرى؟ بعد أن أصابه اللص بجرح من سلاحه الأبيض! ما رأيكم؟! هل تعجبون بشجاعته؟! هل تعجبون بأخلاقه؟! كل من كان معي في السيارة أعجبوا مثلكم وتمنوا لو يقبلوا ذلك الشاب صاحب الأخلاق؟! ولكن لماذا عرًض نفسه للأذى؟! وماذا لو أصابه الشقي بأشد من ذلك؟ ماذا لو قضى عليه؟!

تذكرت حينها ما قاله الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنتام صاحب مذهب النفعية: الفعل الأخلاقي هو الفعل الذي يجلب لذة ويجنب ألماً وهو خير بالضرورة أما غير الأخلاقي فهو الذي يجلب ألماً وهو شر بالضرورة. إذن، يرى بنتام أنه عندما نريد الحكم على فعل ما بأنه خير أو شر يجب النظر في نتيجة الفعل، فإن رجحت اللذات الآلام فخير، وإلا فهو شر محض! فطبقاً لبنتام إذن: إما أن الشاب مجنون و إما أنه يلتذ رؤية الدماء!

ولكن يا بنتام: الشاب لم ينظر إلى النتيجة ولو ظل يفكر في النتيجة لما تحرك مطلقاً لإنقاذ الفتاة وحقيبتها! إنما نظر الشاب في بواعثه أولا وسواء أصاب لذة أم ألماً من جراء فعله فهما عنده سيان! ثم تذكرت أن بنتام مثله مثل أبيقور وهوبز لا يؤمنون بالمثل الأعلى. ولكن هل الإيمان بالمثل الاعلى مجد ونافع حقيقةً؟

ثم كرً ذهني إلى حيث سقراط وكأسه في يده يتجرعها بقلب رابط الجأش كما يقول فيه شوقي:

 سقراط أعطى الكأس وهي منية             شفتي محب يشتهي التقبيلا

 عرضوا الحياة عليه وهي غباوة              فأبى وآثر أن يموت نبيلا!

ولكن ألا ترون يا صدقاء أن سقراط لم يمُت - طبقا لنظرية بنتام- نبيلاً وإنما مات مجنوناً؟! نعم، فكيف يتجرع السم ويكابد الآلام من أجل أفكار ومبادئ؟ فماذا أجدت عليه تلك الأفكار و المبادئ الذي رفض أن يجحدها غير الشقاء؟! ولكن إذا فرضنا جدلاً أن سقراط مثَل النموذج الفذ لشجاعة المثل الأعلى في حياة الأمم فهل ترون للأخلاق نفس الأهمية في حياتنا كأفراد عادييَن؟ ألا تتفقون مع بنتام بأن الأخلاق النفعية والأثرة الأنانية أنفع لنا عملياً؟