لطالما عرف المتقف على انه ذلك الشخص الملم بمجالات متعددة كالأدب و الفلسفة و العلوم، بالإضافة الى قدرته على خوض نقاشات في مجالات متعددة، ويرجع ذلك من خلال قدرته الفائقة على استعاب مواضيغ مختلفة، والتي راكمها من خلال القراءة او السمع مع الاحتفاض بقدر كبير من المعلومات في ذاكرته، قد يعجز الشخص العادي عن تذكرها.

والشخص المتقف ذو رصيد معرفي جد واسع، وقدرة عالية على الحوار و الاقناع، لكن التقافة بمفهومها العامي هي معرفة مزيفة و جهل من نوع آخر، فالمتقف يطلع على مجالات متعددة، دون التعمق او حتى فهم أساسيات اي احد من تلك المجالات، فمعرفته تغلب عليها السطحية، و يكتفي فقط بجمع معلومات غير معمقة، مع غياب تام لأي نوع من محاولة الفهم و التحليل و النقد العلمي، اذ لا يتحلى المتقف بالجرأة التي تمكنه من الخروج عن دائرته المعرفية.

و المتقف هو اكتر خطرا على المجتمع من غير المتقف، فالمتقف هو جاهل غير مدرك لجهله، هذا الجهل الذي يتخفى وراء معرفة وهمية و كمية هائلة من المعلومات الغير مفيدة، فقد يبرهن المتقف اتناء الحوار على قدرات عالية في الاقناع و المناقشة واسلوب لغوي ملحوظ، لكن ما ان تحاول معه التعمق في موضوع معين او التدقيق فيه، حتى يتهرب من خلال تغيير مسار النقاش، او الاستدلال باقوال او آراء أحد آخر.

انا لست ضد التقافة، فلا عيب ان يطلع الانسان على مجالات فكرية متعددة، وأن ينمي رصيده المعرفي، لكن على الإنسان كذات مفكرة ان يجعل البحت و الفهم و التفكير و الشك منهاجا لحياته، وأن لا يأخذ كلما هو جاهز دون التدقيق فيه، و ان يكتفي بمجال محدد حتى يبرع فيه، و خصوصا ان المجتمع العربي في هذه الضروف يحتاج الى علماء و فلاسفة و اصحاب فكر اكتر من حاجته الى متقف عديم الإنتاج، يعرف كل شيء، ولا يفهم في اي شيء.