نسمع بالدعوات المختلفة لأن يكون هناك قائد واحد يلتف حوله الجميع، وهو صاحب القرار وهو الوحيد الذي يمكنه تحمل مسؤولية عواقب القرارات المختلفة، نظرًا للحكمة المفترضة في هذا القائد، ففي المؤسسة الأسرية على سبيل المثال نرى بعض الدعاة والمرشدين، الذين يرسخون لمبدأ القيادة الفردية، تحت حجة أنه لا يمكن لشخصين قيادة مركبة واحدة، ولو توقف هؤلاء الأشخاص لبرهة وسألوا أنفسهم سؤالاً بسيطًا، هل يمكن لأكثر من شخص قيادة الطريق؟

هنالك فرق كبير بين قيادة المركبة وقيادة الطريق، فقيادة المركبة تتطلب شخصًا واحدًا لعملها، بينما قيادة الطريق فهو اختيار الوجهة والسرعة التي ستسير بها المركبة، وهذه مهمة قد يشترك بها أكثر من شخص واحد، بل قد يشترك فريق بأكمله بها، وهذه هي مغالطة السائق التي يقحمها كل من أراد التفرد في أمر.

وحتى في المجال الطبي، المدارس القديمة وحدها تعد الطبيب الحلقة الأهم في العلاج، أو على رأس الفريق العلاجي، وله القدرة على اتخاذ القرارات وفرضها على الجميع، وهذا مبدأ خاطئ وفق الدراسات، ففي المدارس الجديدة وكبرى المستشفيات الحديثة، يتم تطبيق مبدأ الفريق متعدد التخصصات أو the multidisciplinary team approach الذي أثبت فاعليته حيث أن الطبيب له اختصاصه، والممرض له مهامه والمعالج الطبيعي والأخصائي النفسي والمعالج الوظيفي أو السلوكي وأخصائيي السمع والنطق وأخصائيي الأشعة، كل في اختصاصه، ويعملون كفريق واحد لكل شخص فيه مهامه المحددة التي يمكنه وحده تقرير كيفية سيرها وفق خطة علاجية توضع بحضور وموافقة المريض وذويه، وهذا الأمر يجعل جميع أفراد الفريق على قدر واحد من الأهمية، ويمنع حدوث أخطاء واتخاذ قرارات غير مناسبة من قبل الطبيب لو كان وحده صاحب القرار؛ لجهله باختصاصات غيره، وهذا ما يجب أن ينطبق على منظومة الأسرة، ومنظومات العمل المختلفة، فالسفينة التي يقودها ربان واحد قد تغرق بسبب خطأ واحد، ومئة دماغ يفكرون في أمر ما خير من دماغ واحد يفكر في الأمر ذاته، والآن أخبروني يا أصدقائي هل تؤمنون بمبدأ "لا يمكن لشخصين قيادة مركبة واحدة" أم أنكم ترون أن الحياة تشاركية ويمكن الاشتراك في صنع القرار؟