تأثير عدم القدرة على التفسير

بسبب الأوضاع السلبية التي يمر بها بعض الناس في حياتهم، تبدأ عقولهم في تصديق سيناريوهات غير منطقية لأسباب تلك الأحداث، وبسبب عدم شكهم في قدراتهم العقلية، تتفاقم المشكلة أكثر.

حيث يلجأ العقل إلى تفسير كل الإخفاقات والأحداث غير المنطقية بالنسبة إليه عن طريق إسنادها إلى قوة أعلى، تتحكم في تلك الأحداث بشكل يمنع من إحداث أي تغيير بأي وسيلة.

إخلاء المسؤولية الشخصية

وتوجد صور متعددة لتلك المغالطة، منها نظريات المؤامرة الكونية، والتشكيك في جدوى الحياة والبحث عن المعنى، والتفكير في أن غضب الإله هو السبب في كل تلك الأحداث.

الرابط المشترك بين كل تلك الأفكار هو عجز الفرد عن القيام بأي شيء لتغيير مسار الأحداث، مما يوفر للعقل تفسيرًا مقنعًا لما يحدث معه، بالإضافة إلى حجة مناسبة لكي يخلي مسؤوليته الشخصية.

مما يسمح له بإلقاء اللوم على قوى أكبر منه، وتبرئة نفسه من أي تقصير، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكله الحياتية، بسبب سلبيته الدائمة في التفاعل مع تلك المشكلات على أنها ناتجة عن قوة أكبر منه.

رفض بساطة التفسير

وهذه الفكرة ليست مريحة كما يعتقد البعض، لأنها تحرم الإنسان من أهم نعمة ميزه الله تبارك وتعالى بها، تحرمه من قدرته على استخدام عقله لفهم وتفسير الأمور.

قديمًا كانوا يخترعون الأساطير لتفسير الظواهر الطبيعية، ولما جاء العلماء وفسروها بعد قرون، ظل بعض أصحاب تلك المغالطة مقتنعين بتفسيرات غير منطقية، بسبب عدم تصديقهم لبساطة التفسير العلمي.

فهل تريد أن تقنع شخصًا يظن بأن الكسوف عبارة عن حرب بين آلهة الأساطير القديمة في السماء، أنه مجرد مرور للقمر أمام الشمس، أو أن تقنع شخصًا يرى بأن حكومات العالم تخفي عنه قارات وعوالم خلف الجليد، بأن الأرض عبارة عن شكل بيضاوي؟

بساطة التفسير العلمي مستفزة لعقول من يفكرون وفق تلك المغالطات، لأنهم يميلون إلى التفسيرات المستندة إلى قوى عظمى أكبر منهم، تتحكم في كل شيء، ورغم أن تلك الطريقة في التفكير تبرر دائمًا بحجج إيمانية، إلا أنها بعيدة كل البعد عن الإيمان بالله.

امثلة على المغالطة

ومن أشهر مغالطات تلك الطريقة في التفكير، هي الربط بين الأحداث السلبية وبين وجود الشخص في المحيط التابع لها، كمن يموت له أكثر من صديق بدون سبب واضح فيظن أنه كان السبب، دون أن يكون له أي دور حقيقي في ذلك.

لكن الموت أو الفشل أو الألم المتكرر يجبر الدماغ أحيانًا على الربط، بسبب الحزن العميق والإحساس المزيف بالمسؤولية، وهو ما يحاول الدماغ تجنبه عن طريق افتراض وجود قوة أكبر تتحكم.

أي أن الفكرة من مبدئها خاطئة، لأن الشخص افترض على نفسه مسؤولية ونفاها عن طريق افتراض قوة أكبر، مما يعزز من الصورة الذهنية السلبية ويزيد من إحساس الخوف والقلق والاضطرابات المتنوعة.

ليست نابعة من اضطراب او مرض

وهذه المغالطة ليست مبنية على خلل نفسي، بل هي من ردود الأفعال الطبيعية للعقل عندما يعجز عن تفسير ما يحدث له، ومثال ذلك ما حدث عند انتشار الطاعون في أوروبا، حيث ظن الناس أن لعنة الموت سببها وجود ساحرات وحرقوا مجموعة من النساء أحياء، وبدأوا في قتل القطط.

وهذا بسبب ظنهم بأن قوى أكبر منهم هي السبب في كل ذلك الخراب وأن هؤلاء الساحرات يستخدمن القطط للتواصل مع تلك القوى الظلامية، فأدت حملات إبادة القطط إلى تزايد عدد الفئران مما زاد من تفشي الطاعون بشكل قتل ثلث سكان العالم وقتها.

وكل هذا فقط لرفض الناس لفكرة أن تفسير كل ما يحدث ببساطة أنه مرض وبائي، لكن عذرهم أنهم لم يتمكنوا من الوصول لهذا الاستنتاج بعد.

إذا أنه عندما تكررت المشكلة في الأعوام الأخيرة وانتشر وباء كورونا ذهب مجموعة من الناس إلى أنه عبارة عن وباء مصنع معمليًا في حرب بيولوجية سرية يقودها مجموعة من أصحاب النفوذ في العالم.

ذلك لأنهم عجزوا عن تصديق بساطة فكرة أنه مجرد وباء، حيث لجأ معظمهم إلى تصديق نظريات مؤامرة غير منطقية بالمرة لتفسير كل ما يحدث في العالم في هذا الوقت وإلى وقتنا الحالي لا يزال هناك من يصدق تلك الخرافات.

بل وظهرت ممارسات عجيبة في تلك الفترة مثل رفض أخذ اللقاحات والتشكيك في المؤسسة الصحية والاعتداء على الأطباء والكثير من الأمور التي أظهرت مدى قوة الخوف والخرافة في التأثير على عقل الإنسان.

سببها جهل الانسان بنفسه

لذلك فهي من المغالطات التي لا يجب الاستهانة بها على الإطلاق لأنها من الممكن أن تدمر حياة الإنسان أو حياة شعب بالكامل بسبب إيمانهم بفكرة مغلوطة عن قوة أعلى تتحكم في مصيرهم بدون أدنى سيطرة لهم على الأمور.

ومرجع كل تلك المغالطات إلى عدم رغبة الإنسان في الشك في عقله وفي طريقة تفكيره في مقابل شكه وخوفه من كل شيء حوله لأنه يشعر أنه الوحيد الذي يعلم الحقيقة وأن الآخرين كلهم مغيبون وغير واعين بها.

فليس هناك فرق بين الجاهل والعالم والأستاذ والتلميذ والطبيب والمهندس في تلك المغالطات لأنها تزور الجميع فالخوف لا يفرق بين من يدرس الفيزياء وبين من يدرس الأدب، الجميع يزوره الخوف ويتحكم فيه.

انظر من زوايا مختلفة

فإذا أردت أن تنجو من تلك المغالطة التي يمكن أن تكون سببًا في تدمير حياتك عليك أن تشكك في نظرتك للأمور وطريقة تفكيرك، عليك أن تتحقق من التفسيرات البسيطة والمباشرة وألا تنساق وراء التفسيرات التي لا يوجد عليها أي دليل لمجرد أنها توفر لك قدرة على إخلاء مسؤوليتك بشكل مريح لكنه مجرد فخ يستدرجك نحو الهاوية.