لكل شيء في الحياة سردية، حتى الحياة نفسها بدأت بسردية، تعتمد السردية على وجهة نظر الراوي والمعنى الذي يرمي إليه، ولذلك يمكن من خلال إعادة النظر من زاوية مختلفة أن تصنع سردية جديدة لنفس الحكاية، فإذا قلنا إن النملة جزء لا يتجزأ من مجتمع الخلية، يمكننا كذلك أن نقول بأن النملة عبد بلا حقوق عند الملكة.
فإن عارضت أي جملة منهما، فهذا لأن السردية لم تعجبك، بالرغم من أن مفهومهما واحد، وهو أن النملة لا تملك إرادة حرة، لكن المعنى اختلف بين السرديتين؛
فمعنى الأولى أن الخلية لا تستغني عن أي نملة فيها، والثانية معناها أن النملة أداة في يد الملكة تحركها كيفما شاءت.
لذا فإن للسردية تأثيرًا في نفوس من تُروى لهم ومن تُروى عنهم، فالمعنى الذي ترسخه السردية في النفوس يتحكم في توجه المشاعر التي تتحول إلى أفكار فقرارات فأفعال، إلى أن تصل إلى صورة الإنسان عن نفسه.
ولكن بشرط واحد: أن يصدقها من يسمعها دون أن يفكر فيها، فإن كانت سردية الابن في حديث أبويه عنه أنه فاشل، وصدق هو ذلك باعتبار أن أهله من قالوه، فسوف تحفر تلك السردية عميقًا حتى تبلغ روحه وتطفئها، أما إن كانوا يقولون بأنه مثابر ولا يمل المحاولة، فستكون هذه السردية سببًا في إنارة روحه حتى لو كانت في سجن الظلام نفسه.
هذا تأثر الإنسان بسردية غيره، وهكذا يتلاعب الساسة بالجمهور، وبهذا الأسلوب يحول الطبيب الحكيم مرض الموت إلى محنة وستمر، وبها يرسم المعلم طريق أحد طلابه عندما يقنعه بأنه يجيد مادة بعينها، ليحوله إلى عالم من العلماء.
فإذا كان هذا تأثير السردية التي يرسمها غيرنا على عقولنا، فما تأثير سرديتنا نحن على أنفسنا؟ كيف تنظر إلى نفسك؟ وكيف يؤثر ذلك عليك؟ كيف تحكي لنفسك عن
نفسك؟
التعليقات