أعرف شخصاً دائم الشكوى، في كل أمور حياته أجده يشكوا وبنبرة حزن يسرد أسباب شقائه التي لا يمثل سبب واحد منها!، ويكرر وأسباب انتكاسه التي لا يقرب إليها من قريب أو بعيد، له دائماً مبرراً لكل إخفاق حيث يعدد الأسباب التي حالت بينه وبين ما يريد مظهراً نفسه دور الضحية، ولا يفعل ذلك حين الإخفاق والفشل فقط، بل في كل أمور حياته. أحياناً يكون هذا الشخص صادقاً بالفعل في شكواه ولكنه في أغلب الأحيان يكون مصطنعاً في حزنه ليستجلب رضا الناس عن حاله وشفقتهم تجاهه، ولاحظت عليه أنه يرتاح كثيراً إن نجح في ذلك وكأنما وصل لغاية خفية في عقله!
وعلى نقيض ذلك تماماً لي صديق ليس من السهل أبداً أن يشكوا لأحد عن ظروف صعبة يمر بها أو موقف سئ حدث له، ليس لشئٍ سوى لأنه يخاف نظرات الشفقة، فنفسه تمنعه من البوح وإن كان ذللك "البوح" هو الطريق الوحيد لراحتها، ويفعل ذلك خوفاً من أن يتعاطف معه الناس وينظرون إليه نظرة شفقة وإحسان، فبإمكاننا أن نقول أن ذلك الخوف بداخله من "نظرة الشفقة" خوف يشبه الفوبيا ولكنه اختياري منه، بحيث يقلع عن كل ما يؤدي إلى اهتزاز رؤية الناس إليه أو ربما رؤيته ضعيفاً "وهذا بالنسبة لوجهة نظره هو نحو الشفقة" .
أتسائل دوماً.. ما الذي يدفع الإنسان لأن يحب الشفقة أو يكرهها؟
فالأول أحبها لأنها تسبب له الراحة وتصل به لدرجة معينة من الرضا عن نفسه وتزيح عنه أي انتقاد قد يتعرض إليه.
والثاني يكرهها لعكس تلك الأسباب، فهي تسبب له الأذى، حيث لا يريد تعاطفاً من أحد ويكره أن يراه أحد بمظهر الكسير أو الذليل، لذا فهو يفضل أن يتألم بمفرده على أن يرى نظرة إحسان من أحد أو تعاطف تجاهه.
وعندما قرأت آراء المفكرين في هذا الأمر وجدت أن معظم الآراء تميل إلى عدم السعي إلى الشفقة من الآخرين،
حيث يقول ميشيل مونتاني في كتابه " المقالات " :"إن من بواعث الإكتئاب أن يرفض الآخرون المرء، لكن الأسوأ أن يقبلوه من باب الشفقة"
وذلك كان منطقياً لي إلى حدٍ كبير، فأنا لا أجد أية متعة في إرغام الآخرين على تقبلي من باب الشفقة!
وفي نفس الصدد جاء رأي "مكسيم غوركي" في كتابه "العبودية " موافقاً إلى حد كبير ميشيل مونتاني حيث قال :
"ليس هنالك حب على سبيل الشفقة إن هي إلا إهانة"
حتى ديستويفسكي له رأيين في هذا الأمر في روايتين مختلفتين وقد ظننت في بداية الأمر أن بينهما تعارض ولكنني أدركت أن الرأي الأول تكملة للرأي الثاني أو استثناء منه، وأن شعور الشفقة "سئ" ولكنه ضروري ليستمر الإنسان سليم النفس دون مشاعر نقص تؤرق مضجعه.
فقد قال في الرأي الأول وكان في رواية "الأخوة كرامازوف" :
"أن الشفقة علامة حب تافهة" !
ولكني حين قرأت رأي ديستويفسكي في روايته "الجريمة والعقاب" ظللت متوقفاً عنده لدقائق فقد قال :
"لابد لكل إنسان من أن يجد في مكان ما على الأقل شخص يُشفق عليه"
فهو في رأيه هذا يقول أن السعي لأن يفهم أحزاننا ومآسينا وانكساراتنا شخص واحد على الأقل ويشفق علينا من كل قلبه هو حاجة انسانية متأصلة في النفس ومتجذرة في الروح، ولا بد من إشباع تلك الحالة!
والآن عزيزي القارئ مع أي رأي تميل؟ وكيف ترى شعور الشفقة من الآخرين؟
التعليقات