قمت بمعية صديق منذ فترة بزيارة لنادٍ للخيول تم افتتاحه مؤخرا في منطقة تقع بها مزارع كثيرة على حواف مدينتي. تناولنا فنجاني قهوة داخل فضاء النادي الذي تم تصميمه بطريقة بديعة مستوحاة من مقاهي الغرب الأمريكي "الويسترن" في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. سرحت بخيالي و قلت مع نفسي لو رأى المخرج TARANTINO QUENTIN هذا الفضاء لقرر ربما إخراج جزء ثان من فيلمه الأيقوني "the hatefull eight" (الحاقدون الثمانية) .....
تجولت بِمعية صديقي في جنبات النادي و سعدت حقا برؤيةأطفال يمتطون الأحصنة ربما أول مرة في حياتهم و السعادة الغامرة تتدفق من وجوههم، قمنا بجولة خفيفة حول اسطبلات الخيول و لفتَ انتباهي حصان ذو قوام ممشوق و يختلف عن باقي الأحصنة الأخرى. كان الأطفال يصرون على التقاط صور معه و بعضهم يبادر بإطعامه تحت إشراف المدرب. شدني الفضول و استوضحت من مدرب الخيول معلومات عن الحصان المميز. أخبرني المدرب أن إسمه "أنيس" و هو حصان عربي- فارسي (arab-persian) و أصوله تعود لبلاد الفُرس حيث كان الإيرانيون يستوردون الخيول العربية من النجف لتكملة وتحسين نسل خيولهم. استنتجت أن الحصان أنيس يحظى بمعاملة مميزة و هو ربما حصان النادي المدلل.
كانت أمسية جميلة في ضيافة أحصنة رائعة. لكن في طريق عودتنا و أنا أمد بصري إلى الأفق البعيد عاى جانب الطريق، لمحتُ حمارا وسط مزرعة بدا عُشبها يميل إلى الاصفرار، كان الحمار يبدو هزيلا و مطأطأ الرأس و قد اِكتَست ملامِحُه بِحزن ظاهر. كان ساكنا بدون حراك، مربوطا بحبل ملفوف على رقبته و ممدود إلى صخرة تتوسط المزرعة. و قد أشفقتُ على حاله حيث أن أشعة الشمس كانت تلذعه. و تساءلت لمَ لمْ يكلف صاحبه نفسه أن يضع حماره الحزين تحت ظل شجرة يقيه الشمس الحارقة.
وجدتُ نفسي أقارن بين حصان النادي المُدلل و حمار المزرعة المقهور. حصان النادي لديه اسطبل فسيح و سراجٌ و مدرِّب خاص و أيضا يُطعمه زوار النادي أحيانا و يلتقطون معه "السيلفيات"، و أهم شيء لديه اسم جميل "أنيس". أما حمارُنا المنبوذ فلديه سيدٌ قاسي القلب و حبل ملفوف حول رجليه و شمس فوق رأسه. و الأكيد أن ليس لديه اسم، و ربما صاحبه كلما وضع أثقالا فوق ظهره سبّهُ قائلا " تقدّم يا عدو الله" و هذا تعبير شائع عندنا يقال للحمير المسكينة.
لا أدري هل للحمار أو الحصان مشاعر تسكن القلوب، لكن سرح بي خيالي و تخيلت كيف ستكون مشاعر الحمار المقهور لو رأى ومضات من حياة نعيم أنيس المدلل. هل كان سيحسده؟؟ هل كان ليسأل "لمَ أقاسي انا و هو في رغد؟"، ألا تراوده أحلام دافئة يرى فيها نفسه مدربا يمتطيه و هو يسابق به الريح ؟؟ و بالمقابل هل الحصان أنيس سعيد؟ ألا تراوده لحظات شرود يلعن فيها رتابة حياته و قطع السكر التي يضعها الأطفال في فمه كل يوم، ربما تحول طعمها مرّا لأنه ملّ من أكلها كل يوم! ألا تراوده فكرة ان يتمرد و يقطع سراجه و يجري حرا طليقا تحت أشعة الشمس؟؟
التعليقات