منذ أن بدأنا رحلتنا في دراسة الأديان والطوائف في المجتمع العربي والشرقي، لاحظنا نموا مستمرا لظاهرة العنف ضد طوائف معيّنة أو الأقل عددا، مع تكاثر وإزدهار شديد لسياسة التكفير (يمكنكم الإطلاع على مقالنا السابق "لماذا يميل العربي إلى تكفير الآخر").
تعرضت الديانات الأقدم في الشرق الأوسط إلى نوع من الطفرة في التنوع، فمن عبادة الآلهة الكثيرة في سومر وبابل وبلاد الفرس وآسيا الصغرى (تركيا حاليا)، إلى التوحيد الذي أتى به اليهود والذي كان عبارة عن إقصاء تام لجميع الآلهة مع الإبقاء على واحد فقط، وإن تمعنّا في هذه العبارة نجد أن التوحيد لم تأتي به الأديان الإبراهيميّة بل كان منذ القدم، إذ كان كل واحد ينذر ما له لإلهه ويقصي الأخريات.
إزيس وعشتار، مردوخ ومِثرا، يهْوه والآب، الله والمولى...كلّها آلهة أتت بها قناعات أناس صدّقوا بوجودها ونذروا حياتهم لها بكل صدق وحب وامتنان، وقد دفع هذا الولاء إلى التعصب وإلى حروب في بعض الأحيان. وإن بحثنا في التاريخ القديم، فإننا لا نجد حربا كبيرة بين الطوائف والأديان كما حدثت في التاريخ الحديث بعد ظهور الإسلام حتى الوقت الحالي.
فالسبي البابلي عام 586قبل الميلاد حدث بسبب نزاعات بين المملكة الآشوريّة والمصريين، وقد دفع اليهود الثمن بأن تم سبيهم إلى بابل أين تم هناك كتابة العهد القديم على يد اللاّويين والمتداول حاليا. ثم حدثت أولى شرارات النزاع بسبب الدين بعدما أتى المسيح ولقّب بملك اليهود وعارض سياسة الحاخامات في تسيير الهيكل وفضح الفساد المنتشر في الكنيس، وقد انتهى به الأمر بتسليمه إلى الرومان من طرف اليهود وكانت تلك بمثابة حرب باردة بين المعتقدات امتدت حتى بعد مماته بحكم أن تلاميذه رفعوا المشعل وانتشروا في الأرض.
ظهر نبي الإسلام الذي ألغى ألوهية اليسوع التي أعطاها إياه شاؤول الطرسوسي، وقال أن لا ثالوث وأن الإله واحد وأسماه الله. وقبل ظهوره بزمن، حدث تمييز عنيف في حق طوائف صوفية كالغنوصيين في الشرق الأوسط على يد الرومان، ويمكن تصنيف ذلك التمييز في خانة الحرب أحادية الجانب ضد طوائف معينة بما أن الغنوصيين كانوا ينزوون في أماكن قصيّة لا يقربون الآخرين، رابضين في قمران ونجع حمادي. وقد اتسمت فترة نمو الدين الإسلامي بحروب خاضها المسلمون ضد سكان قريش ثم مع الرومان وآخرون. وبعد موت محمد، أصبح الإسلام الواحد أديانا كثيرة دعيت باسم المذاهب، وظهر لثاني مرّة الدين السياسي، فكان أول ظهور له عام 325 بعد الميلاد في مجمع نيقيّة الأول أين وضعت بعض النقاط على الحروف فيما يخص الدين المسيحي والنقاط المتخالف حولها كألوهية اليسوع من عدمها، وقد سُطّر كل شيء على مقاس طموحات قسطنطين الأول في السيطرة.
اختلف الخلفاء بعد موت محمد ووقعت أحداث كثيرة ودامية بينهم بسبب السيطرة، فحدثت موقعة الجمل بين علي وطلحة وعائشة، ثم معركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية...وغيرها كثير.
في أيام حكم الفاطميين، ازدهرت طائفة الموحدون الدروز، وبالتحديد في ظل حكم الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي وانتهت بتولّي ابنه الخليفة الظاهر الحكم لأن الدروز لم يعترفوا به كإمام مثلما قدّسوا أباه من قبل، فنفاهم من مصر إلى جبل لبنان وسوريا وفلسطين، وكانت تلك بمثابة حرب ضد طائفة صغيرة أتت بدين جديد اختلف عن دين محمد وبإله جديد يُدعى المولى.
في الزمن الأحدث، قامت نزاعات أكثر دموية بسبب الأديان والطوائف، وإن لبنان على سبيل المثال أكثر الدول تضررا من ذلك على مدار السنين. فمساحته الصغيرة لم تعجن مكونات مجتمعه الطائفي، ومساحة عقول القادة فيه لم تسمح بتجنب حرب أهلية من سنة 75 إلى 77 بسبب الطوائف التي كانت على أشدها، فقد قسّمت المناصب في البلد على حسب الطوائف من سنة 43، وأعطيت الرئاسة للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة البرلمان للشيعة، وقد سبق حرب السنتين حرب الجبل في أيام الدولة العثمانيّة، فشهد جبل لبنان مجازر فظيعة حدثت بين الدروز والموارنة أدى إلى تقسيم الجبل إلى قائممقامية شمالية وقائممقامية جنوبية. وفي عام 82، حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا على يد القوات اللبنانية وحزب الكتائب في حق الفسلطنيين واللبنانيين من بيروت الغربية، وقد وصلت الطائفية وقتها إلى أفظع صورها وخلّفت ورائها أبشع المجازر التي وقعت في القرن العشرين.
في سوريا والعراق أيام ظهور داعش، تمّ ترحيل وذبح العديد من الأيزيدين والمسيحيين باسم الدين، وشرّد وقُتل مئات الأكراد في عين العرب وكوباني، فبقيت الهوّة بين ابناء الشعب الواحد سحيقة بفعل ذلك.
هذا ليس إلا غيضا من فيض، ولو فتحنا كل السجلات لاحتاج ذلك إلى مئات الصفحات.
ما هو رأيكم حول النزاعات التي تقوم على أساس ديني ؟
التعليقات