قبل فترة ليست ببعيدة كُنت في صدد قراءة كتاب فلسفي تَعرّض فيه الكاتب لقصص العديد من الأساطير الإغريقية وبعض الأمثلة عن الملاحم التي عايشتها تلك الأساطير الغابرة الممتلئة بالرمزية وعكسها على جوانب وإيقاعات الحياة.
كان ضمن ذلك أسطورة أوروفيوس
دعوني أخبركم القليل عن هذه الأسطورة الإغريقية التي جعلت عقلي يلف ويدور في تفسيرات كثيرة حولها، فأوروفيوس هو شاعر ومغنى لم يستطِع أحد في ذلك العصر مقاومة سحر موسيقاه حتى قيل أن الأشجار وحوريات الغابة طُربت وتمايلت لفنِه.
وفي يومٍ من الأيام تزوج من إحداهن واسمها يوريديس لكنّها ماتت بسب لدغة ثعبان، وظل أوروفيوس هائماً حزيناً، لم يُطِقْ الحياة من بعدها.
تقول الأسطورة أنه حمل قيثارته وأبحر في العالم السفلي من أجل استعادة زوجته والصعود بها لعالم الأحياء، فأصبح يُلَوِع جميع الحيوانات الخيالية التي تحرس هذا العالم في عزفه وغنائه حتى سمحوا له بالدخول ومقابلة آلهة هذا العالم فَـ رقّ قلبها وطلبت من زوجها إعادة يوريديس لعالم الأحياء، اقتنع بعد محاولات لكنُه اشترط على أوروفيوس أمراً واحداً وهو
ألّا يلتفت وينظر إلى الخلف أبداً طوال طريق عودتهم إلى الأعلى بينما ستكون زوجته يوريديس تمشي خلفه إلى أن يصلوا عالم الأحياء
فرح أوروفيوس ووافق على ذلك وألهى نفسه بالعزف والغناء طوال طريق العودة وأخيراً سيلتقي بها من جديد إلى أن داهمه شعور التردد والشك وقبل خطوات قليلة من وصوله لعالم الأحياء تفوقت طبيعته البشرية بصفاتها على ذائقته الروحية فإلتفت لينظر إليها في مشهدٍ تراجيدي بحت إذ تبتسم له يوروديس وتختفي عائدة إلى العالم السفلي وما عاد يسمع خطواتها وفقدها مرةً أخيرة وللأبد.
لا أعلم لِمَا بقيت أفكر طوال الليل في هذه الأسطورة وأفكر لِمَا لم يستطيع أوروفيوس أن يتحمل خطوات قليلة بعدما عاش سنوات بألم وقرر محاولة ومجابهة الوهم في الوصول لزوجته.
كان ثابتاً في خطواته نحو هدفه العظيم إلى أن ترددت خطوتيه الأخيرتين واستعجل فخسر ما كان يطمح إليه طوال هذه الفترة التي عمل بها وأضحى أسيراً لشعور الذنب حينما عاد وحده إلى عالم الأحياء دونها إلى أن لاقى مصير مفجع "لستُ بصدد الحديث عنهُ الأن".
فكرتُ لو كُنتُ مكانه ماذا فعلت؟ لم أعرف حقاً كيف كان اختباره هذا، التردد والشك والاستعجال والاندفاع كلها صفات يمكن أن تفسد أمورٌ هامّة علينا.
لذلك وددت توجيه السؤال لكم، كيف ترى تصرف أوروفيوس ذلك؟ ولو كُنتَ مكانه ماذا كنت ستفعل؟
هل آذتك صفة من تلك الصفات (الاستعجال، التردد أو الشك) في الوصول يوماً لأهدافك أو حتى في علاقاتك؟ ماذا تنصح في تحمّل وضبط تلك الصفات؟
ملاحظة: قصة أوروفيوس هي أسطورة إغريقية لا علاقة لها بالمعتقدات الدينية، إنها دلالة ورمز مثل باقي الرموز كعشتار آلهة الخصب ورمزية طائر العنقاء وزرقاء اليمامة وهكذا، لذا أرجو أن لا يتم أخذ النقاش من جانب المعتقدات الدينية.
التعليقات